النفي حتى لا يلزم اللّغوية في كلام الله سبحانه ، فنقول : إنّ (لا) على معناها الحقيقي من النفي بلا أدنى احتياج إلى هذه التكلّفات. وهذا الصّدر من الآية توطئة لما في الذّيل من قوله (ادْفَعْ بِالَّتِي) ، الآية وقيل معناها لا تستوي الملّة الحسنة أي الإسلام ، والملة السيّئة وهي الكفر. وفسّرت الحسنة بالأعمال الحسنة ، والسيّئة بالأعمال القبيحة. وأيضا فسّرت بالخصلة الحسنة والسيئة ، أي لا يستوي الصبر والغضب ، والحلم والجهل ، والمداراة والغلظة ، والعفو والاساءة ، وقيل لا يستويان في الجزاء والمكافاة ، فإن الأول موجب لرفع الدرجات ، والثاني سبب للهبوط إلى الدّركات (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ثم إن النبيّ الأكرم لما كان مبعوثا من عنده تعالى فعليه سبحانه أن يعلّمه أحسن الطّرق وأقربها إلى نفوس البشر لكي يميلوا إلى الإسلام ، وأقرب الطّرق وأحسنها هو هذا المنهج الراقي والصراط السّامي الذي يبيّنه تعالى له صلىاللهعليهوآله ، أي ما يلزمك في مقام دعوتك الناس إلى دين الإسلام هو أن تقابلهم وتدفع عنك سيئاتهم حيث اعترضتك بالّتي أحسن من أفراد الحسنة ، كما أنه إذا أساء إليك مسيء أو آذاك مؤذ فإذا عفوت عنه فالعفو أمر حسن ، لكن الأحسن أن تحسن إليه بما يناسبه من الأموال أو الهدايا ، وإذا كان مليّا ولا يحتاج إلى الأموال فوضع الأحسن في موضع الحسن لكونه أقرب الطرق لإمالة النفوس إلى الإيمان وأبلغها في دفع السيّئة بالحسنة ، فإن من اعتاد أن تدفع السيئة بأحسن منها فما دونه أهون عليه. وعلى أيّ تقدير إنه تعالى يقول لنبيّه (ص) : إذا فعلت ومشيت على ما عملتك في طريق الدّعوة (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) أي عداوة دينيّة (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) أي يصير العدوّ بسبب إحسانك إليه في مقابل إساءته كالصّديق المحبّ القريب. ولمّا كانت مقابلة الإساءة بالإحسان مستلزمة لتحمّل المشاقّ والمواجهة مع المكاره عن الأعداء وأمرا صعبا على النفوس الأبيّة ، فلذا يقول تعالى :