في الدنيا إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ ، فهل هو صادق في هذا أم لا؟ فقال الأحبار اسألوه عن الساعة متى تأتي؟ فإن عيّن وقتها بزمان خاص وساعة معيّنة فهو كاذب في دعواه ، وإلا فهو صادق. فلمّا أتوه وسألوه عن وقتها الذي تجيء فيه ، أجابهم بأنه ليس لي به علم وإنّما علمه عند ربّي لا غير ، فعلموا أنّه صادق. ولعل شأن نزول الشريفة كان في هذا المورد (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها) جمع كمّ أي أوعيتها قبل أن تنشقّ عن الثمرة (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) أي كلّ ذلك مقرون بعلمه سبحانه واقعا حسب تعلّقه به ، فكما أن علم قيام السّاعة خاصّ بذاته المقدّسة ولا يعلمه إلّا هو سبحانه ، فكذلك علم الثمار والنتائج مخصوص به سبحانه. أمّا الثمار فمن حيث كيفيّة الأنواع وكبرها وصغرها وطعومها وروائحها وألوانها ونضجها ، وأمّا النتائج من حيث شأنيّة النّطف فبالنظر إلى مبدأ نشؤ النوع لكونها مبدأ نشوء الآدميّ وكيفيّة انتقال النطفة في الأرحام من حالة ومرتبة إلى حالة أخرى ومرتبة غير الأولى وتربيتها فيها وتغذيتها وانتقال الأجنة في الأرحام وكونها ذكورا وإناثا وتامة من حيث الخلقة أو ناقصة وحسنة أو قبيحة ، أو من حيث عدد أيّام الحمل وساعاتها وغيرها ممّا لا يعلمه إلّا الله. ثم إن قريشا بعد ما علموا أن السّاعة آتية لا ريب فيها وأن الله يجزيهم بما عملوا ، ومع ذلك ما تركوا عبادتهم لأصنامهم عنادا وجحودا وأنكروا نبوّة النبيّ صلىاللهعليهوآله وكتابه ، فالله سبحانه أخذ يهدّدهم ويخبرهم عاقبة أمرهم ومآل فعلهم القبيح ، أي عبادتهم لجماد لا يضرّ ولا ينفع ولا يبصر ولا يسمع بقوله سبحانه (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي) بزعمهم والسؤال للتّوبيخ ومتضمّن للتخويف (قالُوا آذَنَّاكَ) أي أعلمناك وأسمعناك! ولعلّ إعلامهم الله كان بلسان حالهم أو بقولهم (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) فهذا بيان لقولهم آذنّاك ، وهذا أظهر من احتمال الأول أي ما منّا أحد اليوم يشهد بأن لك شريكا بعد أن عاينّا ما عاينّا.