مزرعة الآخرة (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) أي ما قسمنا له وقدّرناه في دنياه (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) إذ الأعمال بالنيّات. وفي القمّي عن الصّادق عليهالسلام : المال والبنون حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد يجمعهما الله لأقوام. وفي الكافي عنه عليهالسلام : من أراد الحرث لمنفعة الدّنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب ، ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدّنيا والآخرة. وكلمة (مَنْ) في الآية للتبعيض تدلّ على من أراد نفع الدنيا بكسبه أو بعلمه لا يعطى إلّا الشيء القليل. والتعبير عن منافع الدنيا وثواب الآخرة ب «الحرث» تنبيه لنا بأن تحصيل كلّ واحد منهما لا يتأتّى إلّا بتحمّل المشاقّ لأن الحرث يحتاج إلى البذر وشق الأرض وإثارتها وتقليبها ، ثم إلى السقي بعد إصلاح الأرض برفع موانع البذر ودفع الحوادث مهما أمكن ثم التنمية بتهيئة أسبابها ومقدّماتها التي تحت قدرة الحارث والزارع ، ثم الحصد ، ثم التنقية. فلمّا سمّى الله كلا القسمين حرثا علمنا أنّ كلّ واحد منهما لا يحصل إلا بالمتاعب والمشاقّ.
* * *
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ