عليهالسلام : يهب لمن يشاء إناثا يعني ليس معهنّ ذكر ، ويهب لمن يشاء الذكور يعني ليس معهم أنثى ، أو يزوّجهم ذكرانا وإناثا أي يهب لمن يشاء ذكرانا وإناثا جميعا يجمع له البنين والبنات ، أي يهبهم جميعا لواحد.
أما تقديم الإناث على الذكور مع تقدّم الذكور على الإناث ذاتا ، فقد ذكروا فيه وجوها أكثرها غير مقنع. والوجه الوجيه أن يقال إن أعراب الجاهلية كانوا لا يرون للإناث اعتبارا ، وكانوا يعاملون الإناث معاملة البهائم غير المحترمة النّفس ، ولذا كانت المرأة إذا ولدت أنثى فكأنّما ولدت بهيمة ليست بذات حرمة أو أنها ليست من جنس الإنسان ، من أجل ذلك كان أبوها يتغيّر حاله ويسودّ وجهه كما قال سبحانه وتعالى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ) وكان ذلك المولود عارا عليه وتقبيحا لحظّه. فالله سبحانه إرغاما لأنوف جاهليّتهم الرّعناء ، وتأديبا لهم ، قدّم ذكر الإناث أولا ، ثم أخّره ثانيا ، وعرّف الذكور ونكّر الإناث للدلالة على أن الواقع هو ما تتعلّق به مشيئة الله لا مشيئة الناس ، ولكي يفهمهم أن البنات في نظام الخلقة أكفاء للبنين ، وليعلّمهم آداب الدّين الإسلامي وأنّ في شرع سيّد المرسلين شأنا خاصّا للبنات وحرمة كحرمة البنين. ولمّا أخرّ الذكور تدارك تأخيرهم بالتعريف ، لأن التعريف تنويه وتكرمة ، ثم نكّر الإناث لأن التنكير تحقير نوعا ، ثم أعطى كلّا من الجنسين حقّه من التقديم والتأخير ليعلم أن تقديمهنّ لم يكن لتقدّمهنّ ، ولكن لغرض آخر ولحكمة اقتضت ذلك ، والله أعلم بما قال (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) أي من الرجال والنساء وهو الذي لا يلد ولا يولد له (إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) أي عارف بمصالح الأمور وبما في الأرحام ، وقادر على ما يهب ويعطي تمام القدرة.
* * *