المراكب لا يخلو من نخوة وتفاخر ولا سيّما الركوب على بعض الأفراس وبعض أفراد البواخر المعدّة للرّكوب والسّفن البحريّة العصريّة والطيارات الجويّة السريعة غاية السرعة والسّيارات التي يجد الراكب عليها في نفسه من التبختر والتكبّر ما لا يجد الراكب على غيرها والماشي على رجليه كما هو المشاهد بالوجدان ، ينبّه عباده لطفا منه سبحانه عليهم في جميع حالاتهم بأنّ آخر مراكبكم من مراكب الدنيا هي الجنازة التي تنقلكم من عالم الفناء إلى عالم البقاء وهي النقلة العظمى لا النقلات اللواتي تحصل بالمراكب الدنيويّة من بلد إلى بلد ومن مكان إلى مكان ، فلا ينبغي للإنسان العاقل أن يفتخر ويتكبّر بركوب شيء عمّا قريب يفنى ويزول وتعقبه الجنازة ، ولهذا اتّصل بكلامه السابق وعقّبه بقوله : (إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) أي إنّا إليه راجعون. وبعض أرباب التفاسير ذكروا وجوها لاتصال هذه الجملة بما قبلها ومن أراد فليراجعها ، ولعلّ ما ذكرناه كان أحسن الوجوه وأوجهها والله أعلم. ولنختم الآية الشريفة برواية مباركة وردت في مقام ذكر خواصّها وهي ما في الكافي عن الرّضا عن أبيه صلوات الله وسلامه عليهما : إن خرجت برّا فقل الذي قال الله عزوجل (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا) ، الآية فإنّه ليس من عبد يقولها عند ركوبه فيقع من بعير أو دابّة فيصيبه شيء بإذن الله.
* * *
(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ