بعوضة لما شرب الكافر منها قطرة ماء أبدا على ما يستفاد المعنى من الأحاديث المشهورة. والوجه في كراهته سبحانه كون البشر على دين واحد ، أي ملّة واحدة هي ملة الكفر ، أنّ ذلك يكون خلاف المصالح الكثيرة والحكم العديدة. هذا إجماله والتفصيل موكول إلى محلّه وأهله (وَزُخْرُفاً) عطف على محل (مِنْ فِضَّةٍ) أي وجعلنا بيوتهم مزخرفة مزّينة موشاة بالذهب من قولهم : زخرف البيت أي زيّنة بالزخرف. وهو الذهب أو المراد به مطلق الزّينة. وحاصل المعنى أننا كنّا نمكّنهم من الذهب كما مكّناهم من الفضّة ليعيشوا في غاية الرّفاهية وفي رغد العيش ، لكن المصلحة غير مقتضية لذلك ولم نخلق الدنيا دار دوام ولا دار مقام ، وليست بذات قيمة عندنا إلّا بمقدار ما يتمّ فيها امتحان الصالح والطالح. ونحن في المقام نذكر بعض الرّوايات التي أشير فيها إلى بعض تلك المصالح التي أشرنا إليها إجمالا. ففي القمّي عن الصّادق عليهالسلام : لو فعل الله ذلك بهم لما آمن أحد ، ولكنّه جعل في المؤمنين أغنياء وفي الكافرين فقراء ، وجعل في المؤمنين فقراء وفي الكافرين أغنياء ثم امتحنهم بالأمر والنهي ، والصّبر والرّضاء. وفي الكافي عن الصّادق عليهالسلام قال : ما كان من ولد آدم عليهالسلام مؤمن إلّا فقيرا ولا كافر إلّا غنيّا حتّى جاء إبراهيم عليهالسلام فقال ربّنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا فصيّر الله في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا إِنْ) نافية وكلمة (لَمَّا) بمعنى (إلا) إذا قرئت مشدّدة ، أي ليس كلّ ما ذكر غير متاع يتمتّع في الدّنيا به ما دام الإنسان حيّا ، وبعد موته يفنى المتاع جميعا وعلى قراءة التخفيف (لَمَّا) قال الواحدي (ما) زائدة والتقدير : لمتاع الحياة الدنيا (وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) أي الجنّة الباقية عنده تعالى خاصّة بهم ومعدّة لهم.
* * *