الشعر بتعليم القرآن ، وليس ما أنزلناه عليه من صناعة الشعر في شيء ممّا يتوخّاه الشعراء من التخيّلات المرغّبة والمنفّرة ونحوهما ممّا لا حقيقة له ولا أصل بل هو تمويه محض (وَما يَنْبَغِي لَهُ) أي لا تنبغي للنبيّ صلىاللهعليهوآله الصّناعة الشعريّة أو للقرآن أن يكون شعرا ، فإن نظمه ليس على نظم الشعر. على أن القرآن يدلّ أسلوبه وتركيب كلماته أنه ليس بشعر لأن الشّعر كلام منسوج على منوال الوزن والقافية ، مبنيّ نوعا على أمور واهية خيالية ، ومثل هذا لا يصلح للنبيّ المرسل لهداية البشر كافّة كما جعلناه أمّيا لا يهتدي للخط ولا لقراءة الكتب ليكون للحجّة أثبت والشبهة أدحض. نعم قد صحّ أنه صلىاللهعليهوآله كان يسمع الشعر ويحبّه ويحثّ عليه إذا كان شعر حكمة. وقد قال صلىاللهعليهوآله لحسّان بن ثابت : لا تزال يا حسّان مؤيّدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) أي نصح وعظة من عند ربّ العالمين وليس بشعر ولا رجز ولا خطبة. والمراد بالذّكر أنّه يتضمّن ذكر الحلال والحرام والدلائل على التوحيد وأخبار الأمم الماضية وقصصهم للاعتبار ، فجمع سبحانه هذه الأمور فيه لاختلاف فوائدها (وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) أي مبيّن للأحكام والبراهين الدالّة على وجود الصّانع وتوحيده (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) أي لينذر القرآن أو النبيّ من كان مؤمنا حيّ القلب فإنّه المتعقّل المتفكّر لأن الكافر الغافل كالميّت لا ينتفع لا بالقرآن ولا بالنبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله بل الكافر أقلّ من الميت لأن الميت لا ينتفع ولا يتضرّر والكافر هو أيضا لا ينتفع بدينه ويتضرّر به (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) أي يجب ويلزم القول ، ولعلّ المراد بالقول هو قوله تعالى (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) بقرينة قوله سبحانه (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) فسّر القول هنا بقوله (لَأَمْلَأَنَ) الآية و (الْكافِرِينَ) أي المصرّين على كفرهم من الذين لم يكونوا في دنياهم مخلّدين ولذا خلّدوا في النار طبق عقيدتهم ونيّاتهم وهذا هو معنى : نيّة الكافر شرّ من عمله ، لأنّه لو كان عقابه على طبق عمله