بعيدا. ولذا قيل بأن الخبر مقدّر وهو (مما تلوناه عليك وقلنا انه هذه) على تقدير البعد والله تعالى أعلم. ففي المقام استفهام إنكاري عن الاستواء بين الفريقين : أي المتنعّم في الجنّة خالد فيها ، والمعاقب في النار خالد فيها. وبناء على هذا التقدير تعرية الكلام عن حرف الإنكار لزيادة تصوير مكابرة من يحكم بالتسوية فيما بين من يتمسّك بالبيّنة ومن يتّبع هواه ، وهذه التسوية عينا هي مثل من يقول باستواء الجنّة الموصوفة بالأنهار الأربعة الجارية فيها وخلود أهلها فيها ، والنار المخلّد أهلها فيها ويقال لأهلها (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً) أي ماء في غاية الحرارة وشدّتها مكان تلك الأشربة الهنيئة لو كان في الجنّة ، سقوه (فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) بمجرّد الشرب من فرط الحرارة أعاذنا الله منها. تتقطّع أمعاؤهم أي تتلاشى وتسيل نظير بعض السموم التي أثرها الطبيعيّ أنه بمحض تماسّها ووصولها إلى المعدة تقطّعها وتصيبها بالاهتراء والتلاشي لشدة حرارتها. والقميّ قال : ليس من هو في هذه الجنّة الموصوفة بما وصفه الباري تعالى كمن هو في هذه النار ، كما أنّ ليس عدو الله كوليّه. وفي الكافي عن الباقر عليهالسلام عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في حديث قال : وليس من مؤمن في الجنّة إلّا وله جنان كثيرة معروشات وغير معروشات ، وأنهار من خمر وأنهار من ماء وأنهار من لبن وأنهار من عسل ... وتقديم الخمر على غيره لعلّه لكون طباع الناس إليه أرغب من حيث إنهم ممنوعون عنها في الدنيا والناس حريصون على ما منعوا عنه. وفي الكشّاف وغيره ذكر أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله حينما كان يخطب في المسجد وغيره في الأوقات المخصوصة كالجمعة وسائر الأوقات الأخر كان يذمّ المنافقين فكان يخرج بعضهم من المسجد ويسأل بعض أعلام الصّحابة مستهزئا ما قال هذا الرجل؟ يعني النبيّ (ص) ولذلك فإن الله تعالى يخبر رسوله بمقالتهم وبأحوالهم بقوله :
* * *