الأرواح القدسيّة البشرية كما قال سبحانه : (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) وذلك إشارة إلى كيفيّة تأثيراتها في إزالة ما لا ينبغي عن الأرواح البشرية أو الملائكة التي تزجر وتمنع الشياطين من الصّعود إلى السّماء لاخذ كلام الملائكة الذين يطّلعون على أسرار اللّوح المحفوظ. (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) أي الملائكة تقرأ كتب الله تعالى ، والذكر الذي ينزل على الموحى إليه ، أو جماعة قرّاء القرآن من المؤمنين يتلونه في الصّلاة. وإنّما لم يقل (تلوا) كما قال (صَفًّا) و (زَجْراً) لأن التالي جاء بمعنى التابع كقوله (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) فلإزالة الإبهام بيّنه بما يزيله. وبالجملة هذه الأمور الثلاثة المقسم بها يحتمل أن تكون صفات للملائكة أو للأعمّ ، أقسم بها سبحانه وتعالى لعظمتها وليقول : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) فهذه الجملة جواب للقسم ، وليعلم أنّ له تعالى أن يحلف بمخلوقاته الدالّة على ذاته وصفاته الذاتيّة المنبئة على عظمته ، لكن ليس للمخلوقين أن يحلفوا إلّا بذاته تعالى وتقدّس ، وإن قيل ذكر القسم إمّا أنه للمؤمن فهو مقرّ بالتوحيد بلا حلف ، وإمّا أنه للكافر فهو منكر ومحتاج إلى إقامة البرهان ولكنّ الحلف لا يكون برهانا فيصبح الحلف بلا فائدة؟ والجواب : إن القرآن نزل بلغة العرب وعندهم إثبات الأمر والدّعوى بالحلف طريقة متعارفة مألوفة وان لم يكن بدليل ، مضافا إلى أنه تعالى ما اقتصر على الحلف في إثبات مدّعاه بل أتى بالدّليل اليقينيّ والبرهان الواضح في كون الإله واحدا حيث عقّب يمينه بقوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي أن النظر في انتظام العالم وفطرته برهان ساطع على وجود الصّانع القادر الحكيم ووحدانيّته. فالقسم مؤكّد لذلك لا أنه دليل على هذه الدعوى ، فهو ربّهما (وَما بَيْنَهُما) من المخلوقات العجيبة والموجودات البديعة الغريبة (وَرَبُّ الْمَشارِقِ) أي مشارق الشمس فإن لها في كل يوم مشرقا ، أو لكلّ النيّرات. ولم يذكر المغارب لدلالتها عليها مع أن الشروق أدل على القدرة أو لأن الشروق قبل الغروب فلذا قدّم.