كلّها صفات محمد (ص) وأصحابه الخلّص وهي مسطورة في التوراة والإنجيل. ثم إنّه سبحانه استأنف ببيان مطلب آخر وصفة أخرى من أوصاف المؤمنين من أصحابه فقال (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) أي ورقه الذي هو في غاية الدقّة والضّعف (فَآزَرَهُ) أي فقوّاه تدريجا من المؤازرة بمعنى الإعانة والتقوية (فَاسْتَغْلَظَ) أي تدرّج ونما حتى صار من الدّقة إلى الغلظة ، ومن الضّعف إلى القوّة بحيث (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) أي وصل إلى مرتبة من القوّة والاستعداد حتى استقرّ واعتدل على أصوله بدرجة (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) أي لغلظه واستوائه في تلك المدّة القليلة. ووجه الشّبه إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله خرج وحده ، ثم كثروا وقووا على أحسن حال ، وظفروا وتغلّبوا على الكفرة والمعاندين بحيث أعجب الناس (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) بيان لوجه تشبيه النبيّ والصّحابة بالزرع في نمائه تدريجا واستحكامه بعد مدة قليلة ، فالله سبحانه وعد نبيّه بالنصر ووفى بوعده وظفّره على أعدائه وكثّر أنصاره بعد قلّتهم وأعانه بعد وحدته وأوقع في قلوب أهل عصره الرّعب والخشية بحيث صاروا يدخلون في دينه وشرعه أفواجا بلا حرب ولا جدال لأن الكفرة لّما شاهدوا تلك الحالة في الناس والتهافت السريع للإسلام صاروا يعضّون أناملهم من الغيظ فخوطبوا بقوله سبحانه بواسطة نبيّه (مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ)(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) أي الجنّة بمراتبها على درجات إيمان المؤمنين وأعمالهم في الكثرة والقلّة ، فإنها الفوز العظيم والأجر الجزيل الذي لا يتصوّر فوقه شيء. وفي ثواب الأعمال والمجمع عن الصّادق عليهالسلام حصّنوا أموالكم ونساءكم وما ملكت أيمانكم من التلف بقراءة (إِنَّا فَتَحْنا) فإنّه إذا كان ممّن يدمن قراءتها نادى مناد يوم القيامة حتى يسمع الخلائق أنت من عبادي المخلصين ، ألحقوه بالصّالحين من عبادي ، وأسكنوه جنات النعيم ، واسقوه من الرّحيق المختوم بمزاج الكافور.
* * *