وقال أبو بكر رضي الله عنه : كلا الثّلتين من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم فمنهم من هو في أول أمته ، ومنهم من هو في آخرها (١).
وهو مثل قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) [فاطر : ٣٢].
وقيل : المراد (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، فإن أكثرهم لهم الدّرجة العليا ، كما قال تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ) [الحديد : ١٠].
(وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) لحقوهم ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : «خيركم قرني ثم الذين يلونهم» (٢) ثم سوى في أصحاب اليمين بين الأولين والآخرين.
قال ابن الخطيب (٣) : وعلى هذا فقوله : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) يكون خطابا مع الموجودين وقت التنزيل ، ولا يكون فيه بيان الأولين الذين كانوا قبل نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهذا ظاهر ؛ لأن الخطاب لا يتعلق إلّا بالموجودين من حيث اللفظ ، ويدخل فيه غيره بالدليل.
ووجه آخر : أن المراد بالأولين الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وبالآخرين ، أي : ذرياتهم الملحقون بهم في قوله تعالى : (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور : ٢١].
وقال الزّجّاج (٤) : الذين عاينوا جميع النبيين من لدن آدم وصدقوهم أكثر مما عاين النبيصلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ).
أي : السّابقون في الجنة على سرر ، أي : مجالسهم على سرر ، جمع سرير (٥).
وقرأ زيد (٦) بن علي ، وأبو السمال : «سرر» بفتح الراء الأولى وقد تقدم أنها لغة لبعض بني «كلب» و «تميم».
و «الموضونة» : قال ابن عباس : منسوجة بالذهب (٧).
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٣٠).
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ١٣٠.
(٤) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٥ / ١٠٩.
(٥) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٣١.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٤١ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٠٥ ، والدر المصون ٦ / ٢٥٥.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٢٨ ، ٦٢٩) عن ابن عباس بمعناه وعن ابن زيد.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦١٩) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «البعث».