وإرادة المفعول كثير ، كقوله تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ) [لقمان : ١١] وأوثر المصدر ؛ لأن تعلق المصدر بالفاعل أكثر.
قوله : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) متعلق بالخبر ، وجاز تقديمه على المبتدأ ؛ لأن عامله يجوز فيه ذلك ، والأصل : أفأنتم مدهنون بهذا الحديث ، وهو القرآن.
ومعنى (مُدْهِنُونَ) أي : متهاونون كمن يدهن في الأمر ، أي : يلين جانبه ، ولا يتصلب فيه تهاونا به ، يقال : أدهن فلان ، أي : لاين وهاود فيما لا يجمل عنه المدهن (١).
قال أبو قيس بن الأسلت : [السريع]
٤٧١٢ ـ الحزم والقوّة خير من ال |
|
إدهان والفهّة والهاع (٢) |
وقال الراغب (٣) : والإدهان في الأصل مثل التدهين ، لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة وترك الجدّ ، كما جعل التّقريد وهو نزع القراد عبارة عن ذلك.
قال القرطبي (٤) : «وأدهن وداهن واحد ، وقال قوم : داهنت بمعنى واريت ، وأدهنت بمعنى غششت».
قال ابن عبّاس : «مدهنون» أي : مكذبون. وهو قول عطاء وغيره (٥).
والمدهن : الذي ظاهره خلاف باطنه ، كأنه شبّه بالدهن في سهولة ظاهره.
وقال مقاتل بن سليمان وقتادة : «مدهنون» كافرون ، نظيره : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)(٦) [القلم : ٩].
وقال المؤرّج : المدهن : المنافق الذي يلين جانبه ليخفي كفره.
والإدهان والمداهنة : التكذيب والكفر والنّفاق.
وقال الضحاك : «مدهنون» معرضون (٧).
وقال مجاهد : ممالئون الكفّار على الكفر به (٨).
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٦٨.
(٢) ينظر ديوانه ص ٧٩ ، وسمط اللالىء ص ٨٣٧ ، والأمالي للقالي ٢ / ٢١٥ ، والمخصص لابن سيده ٣ / ٦٥ ، والمفردات في غريب القرآن ص ٧٤ ، والتاج ٩ / ٢٠٥ (رهن) ، والقرطبي ١٧ / ١٤٧ ، والدر المصون ٦ / ٢٦٨.
(٣) ينظر : المفردات.
(٤) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٤٧.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٦١) عن ابن عباس والضحاك وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٣٣) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
(٦) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٤٧).
(٧) ينظر تفسير القرطبي (١٧ / ١٤٧).
(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٦٦١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٣٣) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر.