أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطي خصلة منها جميع أهل السّماوات والأرض لنجوا بها ، ثم تلا هذه الآية. وها هنا نكتة نستفيدها من المقام ومن غيره وهي أن الأحسن في الدعاء أن يكون مبتدأ بقول : ربّنا وربّ. بيان ذلك أنّنا نرى المقرّبين من الأنبياء. والملائكة هكذا يدعون ، قالت الملائكة (رَبَّنا وَسِعْتَ) الآية وقال آدم عليهالسلام (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) وقال نوح عليهالسلام (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) وقال أيضا (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) وقال أيضا (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) وقال إبراهيم عليهالسلام (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) وقال أيضا (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ، الآية وقال أيضا (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) وقال موسى عليهالسلام (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) وقال سليمان عليهالسلام (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) ، الآية وقال عيسى عليهالسلام (رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) حتى أنه تعالى أمر نبيّه محمدا صلىاللهعليهوآله أن يدعوه هكذا (قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) والمؤمنون قالوا (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) وكرّروا هذه اللفظة في الآية خمس مرّات. فيظهر أنه تعالى يحبّ أن يدعوه العباد هكذا لأن الدعاء يكون أقرب إلى الإجابة ، وأنسب للداعي ، ولو لا ذلك لما أمر نبيّه ان يدعوه حينما يدعوه بهذه اللفظة. ووجه الأنسبيّة يمكن أن يكون أنّه تعالى لطفا بالعباد ومنّة عليهم خلقهم من كتم العدم المحض والنفي الصّرف إلى عالم الوجود ، وبعد ذلك فالذي هو العمدة والمهم ، بل أهم الأشياء إلى المخلوقين هو تربيته سبحانه لهم ، وإلّا فإن مجرد إيجادهم بلا تربيتهم أمر عبث ، بيان ذلك أن مجرّد إيجاد النّطفة مثلا لو لم يربّها حتى تصير علقة والعلقة لم يربّها إلى كونها مضغة أو المضغة لو يخلّيها في تلك المرحلة ولم يربّها إلى أن تترقّى بحيث يوجد فيها عظام ، أو لو لم يكس العظام لحما أو لم ينفخ فيها الرّوح إلى أن تكمل الخلقة وتترقّى مرتبة مرتبة حتى صارت قابلة لأن يثني جلّ وعزّ