على نفسه بقوله (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) فلو لم تكن التربية في كل واحدة من تلك العوامل وكذا في العوالم الأخر بعد هذه العوالم لرجع الخلق إلى الفناء والعدم الأوّل. هذا في الإنسان ، وهكذا الأمر في كلّ موجود حتى الجمادات. والنتيجة أنه بعد أمر الخلقة يصير أحوج الأمور عند الموجود وأشدّها دخلا فيه ، مسألة التربّب أو التربية فعلى هذا حينما يدعو العبد المحتاج إلى ربّه الغنيّ المطلق لرفع احتياجه ، يكون لسان حاله (إن لم يكن مقاله) أنّه يقول : كنت في كتم العدم فأخرجتني إلى الوجود ، وبعده ربّيتني في جميع مراحل الوجود التي كنت في غاية الحاجة إليها ، فأنا أجعل ترببك وتربيتك لي شفيعا إليك في أن لا تخلّيني طرفة عين عن تربّبك وإحسانك القديم إليّ. فهذا وجه الأنسبيّة في لفظة (الرب) في مقام الدّعاء ، وهو تعالى أعلم. ولما انجرّ كلامنا إلى مسألة الدعاء ، والمشهور أن الكلام يجرّ الكلام ، فنقول : إن الداعي كما يحسن له أن ينادي الله بلفظة «يا رب» في مقام الدعوة فكذلك يحسن له الثناء عليه سبحانه بعد ندائه. وبعد ذلك يذكر حاجته منه تعالى ويطلب قضاءها ، لأن ذكره تعالى بالثناء والتعظيم له أثر عجيب في الإجابة كما أشرنا بذلك في ندائه بلفظة «رب» وهناك مطلب آخر يدلّ على اهتمامه سبحانه بها وعلى شرافة تلك اللفظة غاية الشرافة ، وهو أنه تعالى أمر نبيّه الخاتم صلوات الله عليه وآله أن يذكره في مقام تسبيحه وتنزيه ذاته ذاته المقدّسة في أهمّ عباداته وهي الصّلاة وفي أشرف مواقعها وهي حالة الرّكوع أو السّجود بتلك اللفظة وذلك بأن يقول : سبحان ربّي العظيم وبحمده في حالة الركوع وسبحان ربّي الأعلى وبحمده في حالة السجود ، ولا بدّ أن يتّبعه في هذا الأمر جميع الأمة الاسلامية.
* * *