يجري في قناة صغيرة قاعها وحوافيها مبلطة بالرخام وبالمايورقي. وفيه ثلاثة أروقة مسقوفة تتحلى بجمال لا يتصوره العقل تقوم حولها أعمدة مثمنة الأضلاع ومثبتة بالجدران ، أعمدة منمقة بألوان متباينة. والقناطر الواقعة بين الأعمدة مسكوّة بالفسيفساء وبالذهب الصافي وباللازورد. والسقف من خشب مجزع مصنوع صنعا منظما جميلا. وقد أقيم بين هذه الأروقة والصحن شبك من خشب على شكل ستائر خشبية ، بحيث لا يرى الذين هم في الصحن الأشخاص الموجودين في الغرف المطلة على هذه الأروقة. وجميع الجدران على ارتفاع قامة رجل وامتداد يديه ، مكسوّة أيضا بالبلاط المربع المايورقي. هذا وقد نقشت على كل كسوة هذه الجدران من البلاط في سائر المعهد كتابات شعرية تروي تاريخ تأسيس المعهد والعديد من المدائح في هذه البناية وبانيها الملك أبي عنان. وقد كتبت هذه فوق البلاطات المايورقية بحروف كبيرة سوداء فوق أرضية بيضاء مما يتيح قراءتها من مسافة بعيدة نوعا ما. وكل أبواب المعهد من البرونز المنقوش بدقة مع كثير من التزيينات ، كما أن أبواب الغرف من خشب منقوش. وفي القاعة الكبرى المخصصة للصلاة يوجد منبر ذو تسع درجات ، مصنوع برمته من خشب الأبنوس ومن العاج ، وكأنه قطعة من أثاث رائعة حقا.
ولقد سمعت من أفواه عدد من أساتذة هذا المعهد ، الذين يؤكدون أنهم سمعوا روايته من أساتذتهم ، أن الملك أبا عنان أراد ، عند الفراغ من بناء هذا المعهد ، رؤية سجل النفقات التي تكلفها هذا البناء. وما كاد يتصفح بضع وريقات حتى وجد مجموعا يقارب أربعين الف دينار ، فأخذته الدهشة ، وعمد دون أن يتابع القراءة ، إلى تمزيق السجل ، ورماه في القناة التي تخترق المدرسة وهو يردد بيتين من الشعر لأحد شعرائنا اللذين يعبران عن هذه الحكمة :
الشيء الغالي والجميل ليس غاليا ومهما دفع الانسان فيما يعجب ، فإن ما دفعه يقصر دائما عن قيمته.
وكان يمسك بحساب هذه النفقات خازن يدعى ابن الحاج ، ويروي أن مجموعها ارتفع إلى أربعمائة وثمانين ألف دينار. ولكل مدارس فاس الأخرى بعض الشبه مع هذه.
ويوجد في كل معهد أساتذة من مختلف العلوم. فهذا يعطي درس الصباح ، وذلك