معمورة
معمورة مدينة صغيرة بناها أحد ملوك الموحدين عند مصب نهر سبو ، ولكن على مسافة ميل ونصف من النقطة التي يصب فيها هذا النهر في البحر وعلى مسافة اثنين وعشرين ميلا من سلا. وتتمثل ضواحيها في سهل رملي (٦٣). وقد تأسست كي تحمي المصب ولتحول دون دخول السفن المعادية في النهر. وتوجد بجوار المدينة غابة يعثر فيها على أشجار بلوط عالية جدا (٦٤) ، وثمار بلوطها طويلة وبحجم خوخ دمشق. ولهذه البلوطات طعم أطيب مذاقا وأكثر حلاوة ولذة من الكستناء. ومن عادة العرب بجوار هذه الغابة أن يشحنوا كمية كبيرة منها إلى فاس على جمالهم ويربحوا من وراء ذلك الكثير من المال. كما يقوم بغالة معمورة ، بدورهم أيضا ، بنقل كمية منها ويحصلون بذلك على ربح كبير. ولكن خطر الأسود داهم فكثيرا ما تفترس هذه الأسود الماشية والناس الذين لم يعتادوا عليها (ولم يعرفوا طبيعتها) لأن أسود هذه الغابة أكثر ضراوة من كل مثيلاتها في سائر افريقيا (٦٥).
وقد مضى على خراب هذه المدينة مائة وعشرون عاما على أثر الحرب التي شنها سعيد على ملك فاس (٦٦). وفي ٩٢١ ه أرسل ملك البرتغال أسطولا كبيرا جدا كي يستطيع في حراسته أن يبني قصرا عند مصب النهر (٦٧). وعمل البرتغاليون بمجرد وصولهم
__________________
(٦٣) كانت أطلالها لا تزال مائلة عند ضفة نهر سبو عندما كان البرتغاليون الذين سموها ، «معمورة افلها» ، أي المعمورة العتيقة ، كانوا يجهزون حملة في هذه المنطقة. ولكن هذه الأطلال اختفت الآن تماما. والمسافة المذكورة هنا وهي ٥ ، ٢ كم من البحر تطابق تقريبا موقع بيرنقطة.
(٦٤) هو البلوط ذو الثمار الحلوةQuercusilex
(٦٥) لقد اختفت أسود غابة المعمورة ، وكذلك حلت أشجار بلوط الفلين (الخفاف) مكان البلوط ذي الثمار الحلوة.
(٦٦) لقد كتبت هذه الفقرة بكل تأكيد في عام ١٥٢٥ م / ٩٣٢ ه. وبذلك يصحح المؤلف التاريخ المغلوط وهو ٩١٨ ه ، والذي أعطانا إياه قبل قليل في معرض حرب المدعي السعيد ضد السلطان أبي سعيد عثمان والذي حدده بعام ٨١٢ ه أو بين ١٦ / ٥ / ١٤٠٩ و ٥ / ٥ / ١٤١٠ م «وهنا لا نجد مندوحة من التنويه بأن ملك غرناطة من بني الأحمر والذي كان حينذاك يدفع الجزية عن يد وهو صاغر لملوك قشتالة الأسبان ، كان ينفس عن مذلته تحروب جانبية ضد إخوانه الملوك المسلمين في العدوة الإفريقية ، الذين كانوا يتعرضون في نفس الوقت لضربات متلاحقة من الأسبان وغيرهم ولا سيما من البرتغاليين ، كما يقول الشاعر : أسد على وفي الحروب نعامة. وهذا الواقع المرير يتكرر بكل سخافته في عصرنا هذا بين بعض الدول العربية التي لا يقل تخاذلها امام اليهود عن شجاعتها وغدرها تجاه بعضها البعض ، ولعل في ذلك بعض العبرة لمن يعقل. وقد ظهر في بيروت قبل حوالي عشرة أعوام كتاب يحمل عنوان «يا عقلاء العرب اتحدوا» (المترجم)
(٦٧) حدث هذا الإنزال البرتغالي يوم الأحد ٢٤ حزيران (يونية) ١٥١٥ / ١٢ جمادي الأول ٩٢١ ه. وقد سمي القصر الذي بدأ بناؤه فورا على ضفة سبو ، في حضيض تل المهدية ، سمى القديس حنا المعمورة.