لزوم الحركة فمع عروضها أولى ، ومن أدغم فلاستثقال ظهور الكسرة في حرف يجانسه ؛ ولأنّ الحركة الثانية لازمة لأنّها حركة بناء ، ولا يضرّ زوالها في نحو : «حييت» ، كما لا يضرّ ذلك فيما يجب إدغامه من الصحيح ، نحو : حللت وظللت ، وهذا كلّه فيما كانت حركته حركة بناء ، ولذلك قيّد به الماضي.
أمّا إذا كانت حركة إعراب فالإظهار فقط ، نحو : لن يحيي ولن يعيي.
فصل
قوله «عن بيّنة» متعلق ب «يهلك» و «يحيا» ، والهلاك ، والحياة عبارة عن الإيمان والكفر ، والمعنى : ليصدر كفر من كفر عن وضوح وبيان ، لا عن مخالطة شبهة ، وليصدر إسلام من أسلم عن وضوح لا عن مخالطة شبهة.
معنى الآية : «إذ أنتم» أي : اذكروا يا معشر المسلمين : «إذ أنتم بالعدوة الدّنيا» أي : بشفير الوادي الأدنى من المدينة ، والدّنيا : تأنيث الأدنى ، «وهم» يعني : المشركين. (بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) بشفير الوادي الأقصى من المدينة ممّا يلي جانب مكّة ، وكان الماء في العدوة التي نزل بها المشركون ، فكان استظهارهم من هذا الوجه أشد ، «والرّكب» العير التي خرجوا إليها. (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أي : في موضع أسفل إلى ساحل البحر على ثلاثة أميال من بدر. (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) أنتم ، وأهل مكّة «لاختلفتم» لخالف بعضكم بعضا لقلتكم ، وكثرتهم ، أو لأن المسلمين خرجوا ليأخذوا العير ، وخرج الكفّار ليمنعوها ، فالتقوا على غير ميعاد ، ولكن الله جمعكم على غير ميعاد ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، لنصر أوليائه وإعزاز دينه وإهلاك أعدائه (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).
وذلك أن عسكر الرسول صلىاللهعليهوسلم في أول الأمر ، كانوا في غاية الضّعف والخوف بسبب القلّة ، وعدم الأهبة ، ونزلوا بعيدا عن الماء ، وكانت الأرض الّتي نزلوا فيها رملا تغوص فيه أرجلهم ، والكفّار كانوا في غاية القوّة ، لكثرتهم في العدد والعدة ، وكانوا قريبا من الماء وكانت الأرض التي نزلوا فيها صالحة للمضي ، والعير كانوا خلف ظهورهم وكانوا يتوقّعون مجيء المدد ساعة فساعة ، ثمّ إنّه تعالى قلب القصّة ، وجعل الغلبة للمسلمين ، والدّمار على الكافرين ، فصار ذلك من أعظم المعجزات ، وأقوى البيّنات على صدق محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ فيما أخبر عن ربه من وعد النصر والفتح والظفر.
وقوله : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) إشارة إلى هذا المعنى ، وهو أنّ الذين هلكوا إنّما هلكوا بعد مشاهدة هذه المعجزة ، والذين بقوا في الحياة شاهدوا هذه المعجزة القاهرة ، والمراد من البيّنة : المعجزة ، ثم قال : (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي : يسمع دعاءكم ، ويعلم حاجتكم وضعفكم ويصلح مهمكم.
قوله : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً).