كلا التقديرين ف «بعضه» بدل بعض من كل ، وعلى القول الأوّل يكون «على بعض» في موضع المفعول الثّاني ، وعلى الثّاني يكون متعلقا بنفس الجعل ، نحو قولك : ألقيت متاعك بعضه على بعض.
وقال أبو البقاء ، بعد أن حكم عليها بأنّها تتعدّى لواحد :
«وقيل : الجار والمجرور حال تقديره : ويجعل الخبيث بعضه عاليا على بعض».
ويقال : ميّزته فتميّز ، ومزته فانماز ، وقرىء شاذا (١) : وانمازوا اليوم [يس : ٥٩] ؛ وأنشد أبو زيد : [البسيط]
٢٧٠٦ ـ لمّا نبا الله عنّي شرّ غدرته |
|
وانمزت لا منسئا ذعرا ولا وجلا (٢) |
وقد تقدّم الفرق بين هذه الألفاظ في آل عمران [١٧٩].
قوله «فيركمه» نسق على المنصوب قبله ، والرّكم جمعك الشّيء فوق الشيء ، حتى يصير ركاما مركوما كما يركم الرمل والسحاب ، ومنه : (سَحابٌ مَرْكُومٌ) [الطور : ٤٤] والمرتكم : جادّة الطريق للرّكم الذي فيه أي : ازدحام السّبابلة وآثارهم ، و «جميعا» حال ، ويجوز أن يكون توكيدا عند بعضهم ثم قال تعالى (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) إشارة إلى الذين كفروا.
قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٤٠)
قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) الآية.
فصل
لمّا بيّن ضلالهم في عباداتهم البدنية ، والمالية ، أرشدهم إلى طريق الصّواب ، وقال : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا). وفي هذه اللّام الوجهان المشهوران :
الأول : أنّها للتبليغ ، أمر أن يبلّغهم معنى هذه الجملة المحكية بالقول ، وسواء أوردها بهذا اللفظ أم بلفظ آخر مؤدّ لمعناها.
والثاني : أنها للتعليل ، وبه قال الزمخشريّ. ومنع أن تكون للتبليغ ، فقال : «أي قل
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥٢٦ ، البحر المحيط ٤ / ٤٨٨ ، الدر المصون ٣ / ٤١٨.
(٢) البيت ل «مالك بن الريب». ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٨٨ ، الأغاني ١٩ / ١٦٥ والدر المصون ٣ / ٤١٨.