بالترهب ، فقال : إنّ ترهّب أمّتي القعود في المساجد لانتظار الصلاة فقال : تحدّثني نفسي بالسّياحة ، فقال : سياحة أمّتي الغزو والحجّ والعمرة ، فقال إنّ نفسي تحدّثني أن أخرج ممّا أملك ، فقال : الأولى أن تكفي نفسك وعيالك ، وأن ترحم اليتيم ، والمساكين ، فتعطيه أفضل من ذلك ، فقال : إنّ نفسي تحدّثني أن أطلّق خولة ، فقال : إنّ الهجرة في أمّتي هجرة ما حرّم الله ، فقال : إنّ نفسي تحدّثني ألّا أغشاها ، فقال : المسلم إذا غشي أهله أو ما ملكت يمينه ، فإن لم يصب من وقعته تلك ولدا كان له وصيف في الجنّة ، وإن كان له ولد مات قبله أو بعده كان له قرّة عين وفرحا يوم القيامة ، وإن مات قبل أن يبلغ الحنث كان له شفيعا ورحمة يوم القيامة ، قال : فإن نفسي تحدثني إلّا آكل اللحم قال مهلا إني آكل اللحم إذا وجدته ولو سألت الله أن يطعمنيه فعل. قال : فإن نفسي تحدّثني ألّا أمسّ الطّيب ، قال : مهلا فإن جبريل أمرني بالطّيب غبّا وقال : لا تتركه يوم الجمعة ، ثم قال : يا عثمان ، لا ترغب عن سنّتي فإنّ من رغب عن سنّتي فمات قبل أن يتوب صرفت الملائكة وجهه عن حوضي» (١).
وهذا الحديث يدلّ على أنّ هذه الشّريعة هي الكاملة ، وتدل على أن جميع الزّينة مباح مأذون إلا ما خصّه الدليل.
فصل في إباحة المنافع لابن آدم
هذه الآية تقتضي حلّ كلّ المنافع ، وهو أصل معتبر في جميع الشّريعة ؛ لأنّ كلّ واقعة إمّا أن يكون النّفع فيها خالصا أو راجحا ، أو يتساوى فيها الضّرر والنّفع ، أو يرتفعان. أما القسمان الأخيران وهما : أن يتعادل الضّرر والنفع ، أو لم يوجدا قطّ ، ففي هاتين الصّورتين يجب الحكم ببقاء ما كان على ما كان ، وإن كان النّفع خالصا ؛ وجب الإطلاق بمقتضى هذه الآية ، وإن كان النّفع راجحا والضّرر مرجوحا يقابل المثل بالمثل ، ويبقى القدر الزّائد نفعا خالصا فيلتحق بالقسم الأوّل ، وهو الذي يكون النّفع فيه خالصا وإن كان الضّرر خالصا كان تركه نفعا خالصا ، فبهذا الطّريق صارت هذه الآية دالّة على الأحكام التي لا نهاية لها في الحلّ والتحريم ، ثمّ إن وجدنا نصا خالصا في الواقعة قضينا في النّفع بالحلّ ، وفي الضّرر بالحرمة ، وبهذا الطّريق صار جميع الأحكام الّتي لا نهاية لها داخل تحت هذا النّصّ.
فصل في دحض شبهة لنفاة القياس
قال نفاة القياس : لو تعبّدنا الله بالقياس لكان حكم ذلك القياس إمّا أن يكون موافقا لحكم هذا النص العام وحينئذ يكون ضائعا ؛ لأنّ هذا النّصّ مستقلّ به ، وإن كان مخالفا
__________________
(١) ذكره الرازي بطوله في تفسيره (١٤ / ٥٢ ـ ٥٣).