«موسى» ، وهو أولى من إسناده إلى ضمير الله تعالى ، وأمّا تنظيره بقوله (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) فإنّما جاز ذلك للمقابلة في قوله : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) [البقرة : ١٤] (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤] ولا يجوز ذلك في غير المقابلة.
وقرأ حميد بن قيس (١)(فَلا تُشْمِتْ) كقراءة ابن محيصن ، ومجاهد كقراءته فيه أوّلا ، إلّا أنّهما رفعا «الأعداء» على الفاعلية ، جعلا «شمت» لازما فرفعا به «الأعداء» على الفاعليّة ، فالنّهي في اللّفظ للمخاطب والمراد به غيره كقولهم : لا أرينّك ههنا ، أي : لا يكن منك ما يقتضي أن تشمت بي الأعداء.
والإشمات والشّماته : الفرح ببلية تنال عدوّك ؛ قال : [الكامل]
٢٥٨٥ ـ .......... |
|
والموت دون شماتة الأعداء (٢) |
فصل
قيل : واشتقاقها من شوامت الدّابة ، وهي قوائمها ؛ لأنّ الشّماتة تقلب قلب الحاسد في حالتي الفرح والتّرح كتقلّب شوامت الدّابة. وتشميت العاطس وتسميته ، بالشّين والسّين الدعاء له بالخير.
قال أبو عبيد : الشّين أعلى اللّغتين.
وقال ثعلب : الأصل فيهما السّين من السّمت ، وهو القصد والهدي.
وقيل : معنى تشميت العاطس [بالمعجمة] أن يثبّته الله كما يثبت قوائم الدابة.
وقيل : بل التّفعيل للسّلب ، أي : أزال الله الشّماتة به وبالسّين المهملة ، أي : ردّه الله إلى سمته الأول ، أي : هيئته ، لأنّه يحصل له انزعاج.
وقال أبو بكر : «يقال : شمّته وشمّت عليه» وفي الحديث : وشمّت عليهما.
فصل
ولمّا تبيّن لموسى عذر أخيه قال : «ربّ اغفر لي ما صنعت» أي : ما أقدمت عليه من الغضب ، «ولأخي» إن كان منه في الإنكار على عبدة العجل «وأدخلنا جميعا في رحمتك وأنت أرحم الرّاحمين».
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)(١٥٤)
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) الآية. المفعول الثاني من مفعولي ـ الاتّخاذ ـ
__________________
(١) ينظر : القراءة السابقة.
(٢) تقدم.