يتناقل الناس في بلدي قصته مفادها أن شابا في حالة وضيعة وحياة ممقوتة ، دخل السجن بسبب ارتكابه سرقة صغيرة وحكم عليه بالجلد. وعندما حل يوم توقيع العقوبة فيه ، وعند ما أصبح بين أيدي رجال تنفيذ العدالة ، وجد أن الجلاد هو أحد أصدقائه. فاعتقد أنه سيحظى بمراعاة لم يعرفها أي إنسان آخر. ولكن على العكس فقد بدأ هذا يكيل ضربة أليمة قاسية اليه. وهكذا راح الصاحب البائس المبتئس يصرخ قائلا : «يا أخي أنت تعاملني مع أنني صديقك ، أسوأ من الآخرين» وحينئذ كان الجلاد يسدد اليه ضربة أكثر شدة ، وأجابه «يا رفيقى ، يجب ان أقوم بوظيفتي على الوجه الذي يجب أن أؤديها عليه ، وهنا لا مكان للصداقة» واستمر في عمله كي يعاقبه بالعدد الحقيقي من الضربات التي سبق أن حددها القاضي.
وهذا هو السبب الذي سيجعلني عرضة للتبكيت فيما لو تغاضيت عن ذكر معايب الأفارقة. وقد يتصور البعض أنني تصرفت بهذا الأسلوب لأنه كان لدى قدر كبير من هذه العيوب ، وأنني على العكس مجرد من هذه المزايا الموجودة لدى الآخرين .. وبما أنني لا أملك خيرا مماسأ ذكره للدفاع عن نفسي ، فإنني أقترح الاستفادة من الطريقة التي استعملها عصفور ، لأن طبيعة الأمر ، إذا ما أردت أن أشرحها لكم ، تضطرني لأن أسرد عليكم قصة هذا العصفور ، وهي أقصوصة أخرى صغيرة ممتعة :
في العصر الذي كانت الطيور تتكلم فيه ، كان يوجد عصفور صغير لطيف وجريء ، كان متمتعا بذكاء عجيب بشكل خاص. وكان من طبيعته هذه الميزة أيضا ، وهي أنه يستطيع أن يعيش في الماء بين الاسماك كما يعيش فوق الأرض بين الطيور الأخرى. وفي ذلك الزمن كانت كل الطيور مكلفة بدفع ضريبة سنوية لملكها. وهكذا خطر ببال هذا العصفور فكرة كي يتخلص من دفع أي شيء وحينما أرسل له الملك موظفا لجباية الضريبة تعهد له هذا الماكر الصغير بالدفع ولكنه اندفع في الفضاء طائرا. وما لبث أن دخل البحر واختفى في غياهب مياهه. ولما رأت الأسماك هذا الأمر الجديد ، هرعت جميعا على شكل فرقة كبيرة وتحلقت حوله لمعرفة السبب الذي حدابه للمجيء عندها. فتوجه العصفور إليها بالكلام قائلا : «وا حسرتاه ، ألا تعرفون ، أيها الطيبون ؛ أن الحالة بلغت درجة لم يعد من الممكن معها العيش أبدا فوق الأرض؟ فقد أراد ملكنا الجبان ، وذلك بتأثير نزوة خطرت برأسه ، اراد تقطيع اوصالي وانا حي رغم صلاحي ، ورغم أني أكبر وجيه شرفا وفضلا بين كل العصافير». ثم تابع يقول :