البحيرة وأمر بعض الناس بالصيد. ورأيت كيف يجري صيدها ؛ إذ عمدوا إلى ضيم أطراف ياقات قمصانهم وأكمامها بعضها إلى بعض بالخياطة ، واستعانوا بعدى طويلة لإنزالها إلى قاع البحيرة. وبهذه الطريقة حصلوا على الكثير من السمك. فماذا عسى أن يحصل عليه الذين يستخدمون الشباك من هذه الاسماك؟! وخاصة لأن السمك هناك يبدو كأنه مصاب بالدوار وكأنه ثمل للسبب الذي سأرويه فقد دخلت في البحيرة الخيول والجمال على مسافة تقارب الميل. وكانت الخيول بأعداد كبيرة تقارب أربعة عشر ألفا ، وكان أكثرها يخص العرب الذين وفدوا ليضعوا أنفسهم تحت تصرف الملك ، وكانت الأخرى تخص اتباعه من العرب ، والأخرى خيول جنوده. وجاء هؤلاء العرب بأعداد من جمالهم تفوق ثلاثة أضعاف عدد الخيول. وكان في قافلة الملك وأخوته قرابة خمسة آلاف من الخيول. وكان الملك قد جهز ذلك لحاجات كل جنوده النظاميين ، الذين كان عددهم يقارب سبعة آلاف فارس ومثلهم من المشاة ، ما بين خدم وبغالة ، وجمّالة وسقّائين وحطّابين وطباخين مع خدم المطعم ومحاسبي النفقات ، أضف إلى ذلك وكيل الاعلاف مع محاسبيه ومستخدميه الذين اصطحبهم. وكان كل هؤلاء الناس على نفقة الملك باستثناء صف ضباط المشاة وضباط الفرسان الذين قاموا بأنفسهم بما يلزم لتموينهم الخاص من الخيام ومن الجمال ومن موظفي الخدمة. وقد سردت كل هذه القصة في موجز التواريخ الذي سبق لي أن ذكرته. ولن نطيل أكثر من ذلك عنها كيلا نخرج عن موضوعنا وهو البحيرة.
وتوجد على ضفاف هذه البحيرة كمية كبيرة من الاشجار التي تشبه أوراقها أوراق الصنوبر (٢٧٤) وتصنع طيور اليمام التي لا تحصى ، بين أغصانها ، أعشاشها ، بحيث كنا في هذه الفترة ، وهي شهر أيار (مايو) (٢٧٥) ، نشتري ست يمامات دفعة واحدة بثمن زهيد.
وامتدت استراحة الملك على فترة ثمانية أيام ثم أراد أن يقصد الجبل الأخضر. وكنا عديدين في صحبته ما بين فقهاء ورجال بطانته. وكان يأمر بوقوف كل الناس عند كل مسجد نصادفه ويركع قائلا في دعاء متواضع : «اللهم إنك تعرف أنني جئت الى هذه البلاد الموحشة بنية وحيدة وهي مساعدة أهالي دكّالة لتحريرهم من العرب الزنادقة والعصاة
__________________
(٢٧٤) يحتمل أن تكون أشجار الطّويّا المعروفة في بلاد البربر واسمها اللاتيني Callitris articulata أو العرعر باللغة العربية.
(٢٧٥) أو بالأصح نهاية شهر حزيران (يونية) ١٥١٥ م.