ويقع قرب المدينة سهل يمتد على طول يبلغ ستة أميال (٢٨٦) وبه حقول جميلة يزرع فيها القمح. ويدفع الفلاحون إتاوة (٢٨٧) للعرب عن ممتلكاتهم.
ويوجد في هذه المنطقة فقهاء وقضاة وعدد من الشخصيات النبيلة. وفي الوقت الذي كنت موجودا فيها كان أميرها وجيها هرما ، أعمى ، ومطاعا جدا. وقد روى لي أنه كان في شبابه رجلا جسورا وذا قدرة كبيرة. فقد قتل بيده ، فيمن قتل وهم كثر ، أربعة زعماء أحزاب كانوا يظلمون الرعية. وبعد موت هؤلاء أظهر في معاملته للسكان الكثير من الرحمة ، وعرف كيف يوفق بين الأحزاب إلى أن أوصلها إلى الوحدة. وقد بلغ الوفاق درجة جعلت هؤلاء وأولئك لا يكتفون بعقد صلات صداقة بل يعقدون كذلك وشائج رحم ومصاهرة بينهم. أما فيما يتعلق بحكومته ، فقد كان الناس يعيشون بكامل حريتهم ، ولكن لا يمكن تقرير شيء دون مشورة هذا الرجل وموافقته. وقد نزلت عند هذا العجوز مع حوالي ثمانية من الفرسان. وقد برهن على سخاء كبير : إذ قدّم لي كل احتياجاتي ، وكذلك بالنسبة لرفاقي ، ولخيولنا ، وقدّم لنا كل انواع الأقوات. وقد أمضينا ثلاثة ايام عنده وكنا نثرثر بدون توقف وقد قصّ علينا ما فعله في سبيل نشر الأمن في المدينة وشرح ذلك. ولم يكتم عني شيئا كما لو كنت أخاه. وعند انصرافي أردت أن أعوضه على مصاريفه التي أنفقها على استقبالنا بإكرام ، ولكنه لم يقبل ذلك. وقال لنا انه كان صديقا وخادما أمينا لملك فاس ، ولكن إذا كان قد عاملنا هذه المعاملة الطيبة فليس ذلك لأننا من حاشية الملك ، بل لأنه ورث عن أجداده واجب إيواء كل من يجتاز المنطقة والحفاوة به سواء أكان معروفا لهم أم غريبا ، وذلك لوجه الله تعالى وسيرا على تقاليدنا النبيلة. وأضاف أن الله الذي يعوّض كل شيء منحه هذا العام محصولا يقارب سبعة آلاف كيل من القمح ومن الشعير لدرجة أن ما لديه من الاقوات يكفي لتغذية عدد أضخم من اهل البلد ولسدّ حاجاتهم. وفضلا عن ذلك لديه اكثر من مائة الف رأس من الغنم والماعز يستمد منها دخلا من شعرها ومن صوفها ، لأنه يترك للرعاة الحليب والجبن. ولكن يقدم له هؤلاء مع ذلك قدرا من السمن. وقال ان هذه الاشياء لا تجد لها سوقا في المنطقة إذ لدى كل الناس كثرة من الماشية الصغيرة. أما بالنسبة للجلود والصوف والزيت فتباع على مسافة سبعة أو ثمانية ايام. وأخيرا قال لنا إذا حدث وسلك مليكنا الطريق المحاذي
__________________
(٢٨٦) ١٠ كم.
(٢٨٧) يسمى ما يدفع من المسلمين «إتاوة» ولا يسمى «جزية» لأن «الجزية» هي ما يدفعه اهل الذمة.