وذلك لأنه لاحظ أن منجم حديد يقع في هذا الموقع وكان يتردد عليه الناس بكثرة (٤٠). وتقع على مسافة عشرة أميال من الأطلس ، ويوجد بينها وبين الجبل غابة كثيفة جدا تكثر فيها الأسود والنمور (٤١) ، وكانت هذه المدينة آمنة جدا وكثيفة السكان طيلة أيام أسرة مؤسسها (٤٢). وكانت مزدانة بمنازل جميلة وبجوامع وفنادق. ولكن هذا لم يستمر سوى وقت قصير لأن حروب الملوك المرينيين أدت إلى خرابها ، وراح سكانها ما بين قتلى وأسرى. ولجأ قسم منهم إلى سلا. وقد حصل هذا الحادث لأن السكان وضعوا أنفسهم تحت تصرف أحد ملوك بني مرين في نفس الوقت الذي وصل فيه قائد ملك مراكش للدفاع عن أولئك الذين ثاروا حينئذ ضد الأمير الذي كان يحكم المدينة ، حتى لقد اضطر للهرب. وبعد عدة أشهر قدم الملك المريني شخصيا على رأس جيش لجب ، ومر بالمدينة في أثناء زحفه على مراكش ، فهرب قائد المدينة حالا واضطرت المدينة أن تستسلم بعد أن طلبت الأمان ، وحينئذ عمل الملك فيها تخريبا وقتل سكانها (٤٣). ومنذ ذلك العصر حتى الوقت الحاضر لم تعد مدينة المعدن العوام صالحة للاستيطان ، ولكن جدار سورها ومنارات مساجدها لا تزال قائمة. وقد رأيتها في الوقت الذي تصالح فيه ملك فاس مع ابن عمه. وعند ما جاءا سوية إلى تاغية لأداء القسم على ضريح أحد أوليائهم المدعو سيدي بوعزة ، وكان هذا سنة ٩٢٠ ه (٤٤).
__________________
(٤٠) المعدن يعني المنجم. وكانت كل أبنية هذه المدينة تقريبا من الخشب لذا لم تخلف أثرا ، ولكن المنجم الواقع على الخاصرة الشمالية لجبل العوام يقع على مسافة ٢٥ كم شمال خنيفرة ، قرب فرع من رأس وادي البهت ، بعيدا عن نهر أبي الرقراق.
(٤١) تبدو هضبة مريرت اليوم عارية ، ولكن يبدو أن هذه المناطق المستورة بالغابات وشبه المهجورة كانت ملجأ للبقية الباقية من الأسود في عصر قريب منا ، ولا يزال فيها بعض الفهود.
(٤٢) أي الموحدون المنحدرون من أسرة عبد المؤمن.
(٤٣) وقع هذا الحادث بين ١٢٦١ و ١٢٦٩ م في أثناء إحدى الحملات التي قام بها أول سلطان مريني أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق ضد أبي دبوس خليفة مراكش الموحدي.
(٤٤) في عام ١٥٠٤ وعلى أثر تولي محمد البرتغالي زمام السلطة في فاس ، قام ابن عمه مولاي زيان ، حاكم مكناس ، بثورة ضده فحاصره السلطان الجديد في مكناس وتم أسره واعتقاله. واستطاع مولاي زيان بعد ذلك أن يفلت من سجنه ، ثم التجأ إلى البرتغال واستقر أخيرا في آزمور ، حيث حاول أن يقتطع لنفسه إمارة. ولكن سقوط آزمور بيد البرتغاليين في ٣ ايلول ١٥١٣ قسره على الهرب ونزل من السور بواسطة حبل تدلى منه ، كما سرد لنا المؤلف ذلك قبل قليل. والغالب على الظن أن هذا الصلح الاحتفالي تم في خريف ١٥١٤ م مع ابن عمه ، لأن وثائق المحفوظات البرتغالية تفيدنا أنه في كانون الأول (ديسمبر) ١٥١٤ م كان يشغل وظيفة رسمية في سلا.