ولدا أطلقوا عليه اسم أبيه ، ادريس. (١٠٦) وقد اختاره الأهالي ملكا (١٠٧) ولهذا تمت تربيته تحت إشراف طيب ونال أكبر رعاية.
ولما أصبح يافعا تعلم وتثقف على يد قائد شجاع كان يعمل عند أبيه ، اسمه راشد.
ومنذ سن الخامسة عشرة أخذ هذا الغلام يحقق الأعمال الرائعة المجيدة ، ففتح عدة بلاد ، ونما نموا كبيرا عدد العائلات والقوات التي انضوت تحت حكمه. واستبان له أن المسكن الذي خلفه له والده لم يعد كافيا. وهكذا قرر أن يترك الجبل ويؤسس مدينة يستقر فيها. ولتحقيق ذلك جمع بضعة مهندسين قاموا بالكشف على كل السهول المجاورة للجبل. فنصحوه ببناء المدينة في المكان الذي تقوم فيه الآن. فهنا تظهر ينابيع عديدة ونهر كبير ، ينبع من سهل لا يبعد كثيرا عن هذه الينابيع ، ويمر بين تلال صغيرة ويهبط في شعاب فاتنة الجمال بعد أن يجتاز السهل ، ويجري ضمن واد لطيف هادىء على مسافة ثمانية أميال (١٠٨). كما كانت هناك غابة كبيرة في الجنوب ، وكانت ـ من جهة أخرى ـ مفيدة لسدّ حاجات المدينة من الأخشاب والحطب. ولهذا السبب بنيت على الحافة الشرقية للنهر مدينة صغيرة كانت تضم حوالي ثلاثمائة أسرة ، وكانت تشتمل على كل ما هو ضروري نظرا لأهميتها.
ولما وافى ادريس أجله (١٠٩) بنى أحد أبنائه مدينة أخرى إلى الغرب منها ، صغيرة الأبعاد ، واقعة هي أيضا على مجرى النهر (١١٠)
ومع الزمن نمت كل من المدينتين حتى أنه لم يعد يفصل بينهما سوى طريق. وقد عمل عدة قواد ، من الذين كانوا يحكمون كلا من هاتين المدينتين ، ما في مقدورهم فعلا ، كي يوسع كل واحد منهم مدينته. ولكن ما إن انصرم قرن من الزمن على تأسيس فاس حتى تشكلت أحزاب مختلفة ونشبت الخلافات بين سكان المدينتين. فكان لكل واحدة أميرها. واستمرت بينهما حروب عديدة ، وظل الأمر على هذا المنوال مائة عام (١١١).
__________________
(١٠٦) في آب (أغسطس) ٧٩١ م.
(١٠٧) نودي به يوم الجمعة ٢٣ شباط (فبراير) ٨٠٤ م.
(١٠٨) ١٣ كم. ينبع النهر الذي يسقي المدينة من موقع رأس الماء ، غربي مدينة فاس.
(١٠٩) في ١٨ آب (اغسطس) ٨٢٨ م ، ويجدر التنوية هنا ان كل هذا التأريخ غير مؤكد ، ويختلف باختلاف المصادر.
(١١٠) ونرى هنا أن المؤلف كان يعرف ، على الرغم من اتخاذه رأيا تقليديا ، أن المدينتين لم تؤسسا على يد شخص واحد.
(١١١) فترة الأمراء الزناتيين.