لتفريغ الأقذار. ولم أر مطلقا في إيطاليا أبنية مماثلة ، اللهم إلا في معهد الأسبان الموجود في مدينة بولونيا (١٣٧). وفي قصر الكاردينال في دير الخضر الواقع في روما. وتطل كل أبواب الغرف على ممشى.
ولكن على الرغم من بهاء هذه الفنادق واتساعها ، فهي تشكل مسكنا مقيتا ، لأنها تخلو من السرر والفرش. فصاحب الفندق لا يقدم للنزيل سوى الغطاء وحصيرا للنوم. وإذا أراد هذا أن يأكل فعليه أن يشتري أغذيته ويقدمها للطبخ.
هذا ولا يقطن الغرباء في هذه الفنادق ، بل يسكنها جميعا الرجال المترملون من أهل المدينة ، من الذين لا بيوت لهم ولا أقارب. فيشغلون غرفا مفردة ، أو ينزل اثنان في غرفة ويعدون بأنفسهم فراشهم ويصنعون طعامهم بيدهم.
وأسوأ ما في هذه القضية هو مساكنة بعض الأفراد الذين يؤلفون حثالة بشرية تدعى «حيوة». وهم ذكور يكتسون كالإناث ويتزينون كالنساء تماما ، فيحلقون لحاهم ويصل بهم الأمر إلى تقليد النساء في طريقة كلامهن. ولكن ماذا أقول في أسلوب كلامهم؟ فهم يرققون أصواتهم ويخضعون بالقول. ولكل من هذه الكائنات الدنيئة صاحب يتسرّاه ويعاشره كما يعاشر الرجل المرأة. ولهؤلاء الناس في الفنادق زوجات أخلاقهن هي أخلاق المومسات في بيوت الدعارة في أوروبا. ولدى هؤلاء ترخيص بيع الخمر وشرائه دون أن يعترضهم موظفو الحاشية.
وهذه الفنادق هي دائما مقصد أولئك الذين يحيون أكثر ضروب الحياة دناءة. فالبعض يذهب إليها ليثمل والآخر لكي يشبعوا شبقهم من نسوة مرتزقات ، والبعض الأخير كي يكون فيها بمنأى عن الحاشية بسبب تصرفاتهم غير الشرعية والمشينة والتي يجدر بنا أن نضرب عنها صفحا.
ولأرباب الفنادق أمين ، ويدفعون نوعا من أتاوة لنقيب المدينة وحاكمها. وفضلا عن ذلك فإن عليهم ، عند اللزوم ، أن يقدموا لجيش الملك أو الأمراء قسما هاما من مستخدميهم كي يطهوا طعام الجند ، لأنه لا يوجد كثيرون غيرهم قادرين على مثل هذه الخدمة.
__________________
(١٣٧) مدينة في شمالي إيطاليا شرق جنوة سبق للحسن الوزان أن درّس اللغة العربية في معاهدها.