وبعد الحلّابة تقع دكاكين باعة القطن التي يبلغ عددها ثلاثين دكانا. وإلى الشمال من ذلك توجد دكاكين باعة الاشياء المصنوعة من القنب وهم الذين يبيعون الحبال والخيوط والامراس وأرسان الخيل. وفي وراء أولئك تقع حوانيت صناع النطاقات الجلدية والأحذية وأرسان الخيول الجلدية المطرزة بالحرير. وإلى أبعد من ذلك نجد صناع أغماد السيوف والسكاكين وصداري الخيل. ويأتي بعدهم باعة الملح والجص الذين يشترون بالجملة ويبيعون بالمفرّق. ثم يأتي باعة الأواني الخزفية وخزفياتهم بديعة ذات ألوان جميلة ، وبعضها وحيدة اللون وبعضها مطلية بلونين. ولهؤلاء الباعة مائة دكان. ثم يأتي أولئك الذين يبيعون اللجامات والأعنّة والسروج وحزامات البطون والركابات ويشغلون حوالي ثمانين دكانا. ثم نصل إلى الموقع الذي يتواجد فيه الحمّالون ، ويبلغ عددهم ثلاثمائة ولهم أمين ، أي رئيس ، يختار كل أسبوع أولئك الذين عليهم أن يشتغلوا وأن يكونوا تحت تصرف الجمهور في أثناء الاسبوع. ويجمع هؤلاء الرجال دراهم أرباحهم في صندوق له عدة مفاتيح محفوظة لدى كل رئيس مجموعة. وبانتهاء الاسبوع تقسم الدراهم بين أولئك الذين اشتغلوا ويحب هؤلاء الحمالون بعضهم بعضا كأنهم اخوة. وإذا توفي أحدهم تاركا ولدا صغير السن ، اشتركوا سوية في تأمين معيشة الزوجة إلى أن تتزوج ثانية إذا رغبت ، ويبذلون عناية حنونة وسريعة تجاه الأولاد إلى أن يصبحوا في سن يتدربون فيه على مهنة ما. وعندما يتزوج أحدهم أو يرزق بمولود يدعو كل رفاقة لوليمة ويقدم كل واحد منهم هدية بالمقابل. ولا يستطيع أي شخص أن يمارس مهنة حمّال دون أن يدعو أولا كل رفاقه إلى وليمة. وإذا لم يقم بذلك فلن يتقاضى أكثر من نصف حصة الآخرين. وقد حصل هؤلاء الحمالّون من الملوك على امتياز ينص على اعفائهم من أية ضريبة أو رسم ، حتى أنهم لا يدفعون أجرا عن خبز عجينهم عند الخبازين. وإذا ارتكب احدهم جريمة ما عقابها الإعدام فلا ينفّذ فيه ذلك الحكم أمام الملأ. ويعمل هؤلاء الناس وهم لا بسون ثيابا قصيرة ذات لون وحيد. ويلبسون في خارج اوقات عملهم كما يرغبون. وهم أناس شرفاء على خلق كريم.
وتقع ساحة الأمناء (١٤٢) خلف موضع الحمّالين ، وكذلك القضاة الذين لهم سلطة على كل السلع الإستهلاكية. وتقوم في وسط هذه الساحة حظيرة من قصب مربعة الشكل يباع فيها الجزر واللفت. وهذه من أكثر الخضر رواجا في فاس ، بحيث لا يمكن شراؤها
__________________
(١٤٢) الأمناء أو نقباء المهن ورئيسهم المحتسب.