فمن ذلك مثلا أنه يوجد أناس يعتقدون جازمين أن باستطاعة الإنسان أن يكتسب طبيعة ملائكية عن طريق الأعمال الصالحات وبالصيام والتعفف ، ويقولون إنهم يطهرون الروح والقلب لدرجة تمنعهم من اقتراف الذنب ، حتى ولو أرادوا ذلك. ولكن لبلوغ ذلك يجب المرور بخمسين درجة في سلك التلمذة وحينما ينتهون من قطع هذه المراحل لن يحاسبهم الله على ما عسى أن يقترفوه من ذنوب وسيغفر لهم ما سبق أن اجترحوه قبل ارتقائهم الخمسين درجة. ويبدأ هؤلاء الناس بصوم يثير الإعجاب مما يجعل من المستحيل تقدير أيامه ، ثم ينغمسون في كل ملذات الدنيا. وهم يتبعون قاعدة صارمة عرضها كاتب وعالم لامع اسمه السهروردي ، من سهرورد ، وهي مدينة في خراسان (١٨٩). ويقع كتابه في أربعة مجلدات. وهناك مؤلف آخر هو ابن الفريد (١٩٠) شرح هذه العقيدة في قصيدة بديعة جدا ، ولكن قصيدته هذه تبدو مليئة بالاستعارات لدرجة تجعل القارىء يتصورها وكأنها تقتصر على الحب. وجاء المدعو الفرغاني (١٩١) وشرح هذا المؤلف واستخرج منه القاعدة التي يجب إتباعها مشيرا إلى الدرجات التي ينبغي اجتيازها. وقصائد ابن الفريد على درجة بالغة من الأناقة حتى أن مريدي هذا المذهب لا يتلون سواها في مآدبهم. ومنذ ثلاثمائة عام وحتى الآن لم تستعمل لغة أكثر نقاوة من تلك التي استخدمها ابن الفريد في قصيدته.
ويؤمن الناس الذين يذهبون إلى هذه المعتقدات بأن الكرات السماوية ، والفلك ، والعناصر ، والكواكب السيارة وكل النجوم ما هي إلا آلهة ، وأنه لا يمكن أن تكون ثم عقيدة دينية على خطأ ، لأن لكل الناس في نفوسهم غريزة تدفعهم إلى عبادة من يستحق أن يعبد. ويعتقدون أن معرفة الله تتمركز في رجل يسمونه «القطب» الذي هو المختار عند الله ، والذي يشترك معه في طبيعته ، والذي يوازي الله في المعرفة. ويعترفون بوجود أربعين رجلا بين ظهرانيهم يسمونهم الأوتاد ، وهؤلاء من مستوى أقل ارتفاعا وأقل معرفة من القطب. وعندما يموت قطب ، يعين هؤلاء الأربعون قطبا آخر يختارونه من بين سبعين. ولا يزال هناك سبعمائة وستة وخمسون من أهل المقامات الذين لم أعد أتذكر
__________________
(١٨٩) هناك عدة كتاب متصوفين يحملون هذه الكنية ، ولكن يبدو أن المقصود هنا شهاب الدين أبو حفص السهروردي.
(١١٤٤ ـ ١٢٣٤ م) ولا تقع سهرورد في خراسان بل في العراق العجمي أو الأهواز الحالية.
(١٩٠) أبو حفص عمر الفريد ، من القاهرة (١١٨١ ـ ١٢٣٥ م)
(١٩١)؟