في أمسية كل الأيام تقريبا ، في الجامع الكبير ، ويتناقشون في الاكتشافات المزعومة. ولديهم العديد من المؤلفات في هذا الفن ، وهي كتب دبجت بأقلام كتاب لا معين. وكتابهم الرئيسي هو كتاب «جابر» الذي عاش بعد وفاة الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم بمائة عام ، والذي كان ، كما يقال ، يونانيا اعتنق الإسلام (١٩٨) وقد كتب كتابه مقتصرا على بضعة رموز ، وذلك حتى بالنسبة للوصفات التي يقدمها. وهناك أيضا مؤلف آخر يدعى الطغرائي (١٩٩) الذي عمل كاتبا لدى أحد سلاطين بغداد (٢٠٠). ولقد تكلمنا عنه بإسهاب أكثر في كتابنا عن حياة الفلاسفة العرب (٢٠١). وقد ظهر مطول آخر في الكيمياء ، على شكل قصائد تتعرض لكل تفاصيل هذا الفن الذي ألفه أستاذ يدعى المغيربي (٢٠٢)(*) الذي كان من أصل أندلسي. وقد شرح هذا الكتاب مملوك من دمشق ، وهو رجل قدير جدا في هذا الفن ، ولكن الشرح يستعصي على الفهم أكثر من النص.
والكيمائيون على صنفين : فالبعض يتابعون البحث عن الإكسير ، اي عن المادة التي تمنح كل معدن لونه أو لكل فلز ، في حين ينقطع الآخرون إلى تجارب عن إكثار عدد المعادن عن طريق اللدائن.
ولكن لا حظت أن الهدف الذي يسعى إليه هؤلاء الناس يقودهم في أكثر الأحيان إلى صنع غملة مزيفة وهكذا يفتقر إلى المهارة معظم الذين نصادفهم من هذه الطوائف في فاس.
__________________
(١٩٨) أبو موسى جابر بن حيان الصوفي. وكان اسمه حنا جبر. ولد في طرسوس في كيليكيا في أواخر القرن الثامن الميلادي.
(١٩٩) أبو اسماعيل الحسن بن علي الطغرائي المتوفي سنة ١١٢٢ م.
(٢٠٠) السلطان سعود السلجوقي.
(٢٠١) لقد وصلنا النص اللاتيني لهذا العرض الذي كان كما يظهر ، معدا لأن يكون جزءا من كتاب شامل للمؤلف.
ويتعرض هذا الكتاب لذكر ثلاثين شخصية إسلامية ، منهم الطغرائي. وقد صدر عام ١٦٦٤ م.
(٢٠٢) لقد ورد ذكر المغيربي هذا في مقدمة ابن خلدون.
(*) عرض ابن خلدون للكيمياء في الفصل الحادي والثلاثين من الباب السادس من مقدمته ، وبين أساليب المشتغلين به وفساد مناهجهم وتكلم على أشهر المؤلفين فيه ومن بينهم مسلمة المجريطي وتلميذاه أبو بكر بن بشرون وأبو السمح ، وابن المغيربي الذي ورد ذكره في النص الذي نعلق عليه وقال في شأنه : «ولابن المغيربي من أئمة هذا الشأن كلمات شعرية على حروف المعجم من أبدع ما يجيء في الشعر ، ملغوزة كلها لغز الأحاجي والمعاياة فلا تكاد تفهم» (انظر مقدمة ابن خلدون ، الطبعة الثانية للجنة البيان تحقيق الدكتور علي بن عبد الواحد وافي ، الجزء الرابع صفحات ١٣٠٦ ـ ١٣١٩) (المراجع).