ثلاثمائة ألف دينار ، ولا يصل ليده منها سوى الخمس ، لأن الباقي ينفق على الأوجه التي ذكرناها ، وفضلا عن ذلك فإن نصف هذا الدخل يتألف من حنطة ومن ماشية ومن زيت وسمن. وتجبى هذه الضرائب على وجوه مختلفات. ففي بعض الأنحاء يكون الدفع حسب مساحة الأرض التي يستطيع حراثتها زوج من الثيران في اليوم الواحد وهو دينار ونصف (٢٣٤) ، وفي أمكنة أخرى يدفع نفس المبلغ عن كل أسرة ، وفي جهات أخرى يكون الدفع عن كل فرد يزيد عمره على خمسة عشر عاما. ولا توجد أية أعباء مالية إضافية أخرى سوى الرسوم التجارية على البضائع والتي تجبى في المدن. ومن المقرر أنه من غير المشروع في شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم جباية أية ضريبة غير الزكاة التي أمر الله بها (٢٣٥). فكل إنسان يملك مائة دينار نقدا عليه ، ما دام هذا المبلغ تحت تصرفه أن يدفع للملك دينارين ونصف دينار ، وكل إنسان يجني من أرضه عشرة مكاييل من الحب عليه أن يدفع العشر. وتنص الشريعة بأن تدفع هذه الزكاة إلى الخليفة الذي يستخدمها لحاجاته الخاصة وللصالح العام ، مثلما تفيده أيضا في إسعاف الفقراء والمرضى والأرامل ولدعم الحروب ضد العدو (*).
ولكن منذ أن تلاشت الخلافة اتخذ الخلفاء ، كما قلنا ، تدابير استبدادية إذ لم يكتفوا باغتصابهم كل هذه العوائد جملة وإنفاقها على هواهم ، بل أضافوا إليها ضرائب جديدة ، بحيث لا يوجد في سائر أفريقيا سوى القليل من الفلاحين الذين يستطيعون توفير ما يلزمهم لكسائهم وطعامهم. ونتج عن هذه الأوضاع أن أصبحنا لا نجد رجلا متعلما وشريفا يقبل أن يقيم علاقات عائلية مع الملوك العصريين ، أو أن يأكل معهم على نفس المائدة ، حتى ولا أن يقبل منهم هدية أو منحة. وتعتبر أملاك هؤلاء الحكام أكثر رجسا مما لو كانت مسروقة.
وأخيرا يحتفظ ملك فاس على الدوام بستة آلاف خيال من ذوي المرتبات ، وبخمسمائة من راشقي السهام ومثل عدد هؤلاء من حملة البنادق ، وكلهم من الفرسان ،
__________________
(٢٣٤) وحدة مساحية تسمى في شمالي بلاد الشام كدنة ، أو فدان (المترجم).
(٢٣٥) الزكاة وهي أحد الأركان الخمسة في الإسلام.
(*) مصارف الزكاة محددة في الآية الكريمة وهي قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ...) (آية ٦٠ من سورة التوبة) أنظر التفاصيل في كتب الفقه الاسلامي ، ومن هذا يتبين أن المؤلف يتخبط في بيان مصارف الزكاة. (المراجع)