يصطحبه إليه قال له : «لو كنت المنصور بشخصه لما أوصلتك لهناك ، لأنني أخشى أن تغرق في المستنقع»
فقال له الملك ـ وماذا تهمك حياة المنصور؟
ـ فاجاب الصياد : وي ، يبدو لي أن الملك جدير بكل حب وتقدير.
ـ فقال الملك : يظهر أنك حصلت منه على إحسان كبير؟
ـ فرد الصياد : «ما هو أكبر معروف يمكن أن يناله الإنسان من ملك أكثر من العدل ، والصلاح الكامل ، والمودة التي يبرهن عليها في حكم شعبه؟ وبفضل هذا أصبحت ، أنا الصياد الفقير ، أتمتع بسلام ، على الرغم من فقري مع زوجتي وأسرتي الصغيرة. فأنا أخرج من كوخي في منتصف الليل ، وأعود إليه عند ما أحب فلا أجد أي إنسان ينالني بأقل أذى في هذا الوادي وفي هذه الأمكنة المهجورة. ولكنك ، أنت أيها السيد ، أرجوك أن تأتي لتقضي هذه الليلة عندي ، وغدا في الصباح ، سأكون في خدمتك وأصحبك إلى حيث تريد».
وقبل الملك الدعوة وذهب مع هذا الرجل الشهم حتى كوخه ، وعند ما بلغاه ، فك سراج جواد الملك ، وقدم له طعاما وفيرا. فقلى له من سمكات الحنكليس ، وقدمها للملك ، وفي هذه الأثناء عمل قدر استطاعته على تجفيف ثيابه قرب نار طيبة متوهجة ، ولما كان الملك لا يستسيغ أكل السمك طلب من الصياد عما إذا كان عنده قليل من اللحم. فأجابه هذا الرجل الفقير :
ـ أيها السيد إن ثروتي تتألف من عنزة وجدي لا يزال رضيعا وسيكون من حسن حظ هذا الجدي أن يتشرف لحمه بشخص مثلك. وإذا كانت شواهد مظهرك صحيحة فإنه ليبدو لي أنك أمير كبير». ولم يلبث بأن طلب إلى زوجته بأن تشوي لحم الجدي بعد أن قام بذبحه. فتناول الملك عشاءه ثم استراح حتى الصباح. وانطلق من الكوخ في ساعة مبكرة مع مضيفه الذي قام بدور الدليل على أحسن ما يكون مجاملة وأدبا. وما كادا يخرجان من المستنقع حتى صادفا جمهرة من الخيالة والقناصة الذين استنفروا للبحث عن الملك ، وكانوا يطلقون صرخات النداء. وقد فرح كل منهم برؤية الملك. وعندئذ التفت المنصور إلى الصياد وقال له إنه كان سعيدا بصحبته وأنه سيذكر دوما كرمه ولطفه. وفي أثناء توقف الملك في المنطقة شيد قصورا هامة وجميلة وبضعة منازل. وقد قدمها