وهكذا أحسب إذن أنني قمت بأفضل اختيار ، باعتبار الهدف الذي كنت أرمي إليه قبل كل شيء. فقد جذبت إليه بنوع من غريزة محبة عفوية وتبجيل تجاه رجال الأدب الذين يهتمون خاصة بالعلوم الفلكية والطبيعية.
ويتراءى لي في الواقع أن العلوم المذكورة تحوي شيئا الاهيّا نوعا ما مما يجعلها مؤهلة للتشريف والإعجاب بين الناس. ولكن السبب الذي حدا بي لبذل الكثير من العناء ، عن طيب خاطر ، في هذا العمل بالذات ، هو التأكد الذي حصلت عليه من دراسة وتمحيص لوحات بطليموس الجغرافية ، فقد وجدت أن اللوحات التي تصف أفريقيا والهند تشكو من نقائص كثيرة تجاه المعرفة الواسعة التي لدينا حاليا عن هذه المناطق وقد قدرت أن جمع أقاصيص كتاب عصرنا ، الذين كانوا في هذين الجزأين من العالم والذين تكلموا عنها بصورة مفصلة سيكون عملا ثمينا وجزيل الفائدة. وإذا ضممنا إليه صورة عن الخرائط البحرية البرتغالية ، فسيكون صنع عدد مكافىء من اللوحات عملا ذا فائدة كبيرة لأولئك الذين يهتمون بهذه المسائل ، إذ سيصبحون على يقين من درجات العرض والطول ، وذلك على الأقل بالنسبة لسواحل كل هذه الأصقاع ، ومن أسماء الأمكنة ، والمدن والأمراء الذين يقطنون فيها حاليا ، وسيتمكنون من موازنة هذه اللوحات مع ما كتبه الأقدمون.
ترى كم كابدت روحي الكليلة والصغيرة من عناء في هذا العمل ، ولا سيما بسبب تنوع اللغات التي كتب بها هؤلاء المؤلفون ، ولا أريد أن أشير إلى ذلك الآن كيلا يظهر أنني أبالغ في الكلام عن متاعبي وسهدي. ولكن آمل من قرائي الكرام أن يلاحظوا ذلك ، في بعض الأمكنة ، عندما يفكرون في هذا الأمر. وإذا كنا قد ارتكبنا عددا كبيرا من الأخطاء ، وهذا ما أعترف به حقيقة ، فهذا لم يصدر عن قلة في العناية من جهتنا ، بل يعود ذلك بالأحرى إلى أن مستوى ذكائنا عجز عن مجاراة حماس إرادتنا الطيبة.
وفضلا عن ذلك فإن نسخ المؤلفات التي وصلت إلى يدي كانت مضطربة للغاية ومغلوطة ، وهذا ما كان يخيف أي نفس جلودة وجريئة إذا لم تكن مدعومة بفكرة الحبور الذي يستشعره هواة المسائل الجغرافية ، ولا سيما من معرفة ذلك الجزء من إفريقيا الذي كتبه جان ليون. وليس هناك ، كما نعرف ، أي مؤلف آخر في عصرنا أعطى مثل ذلك القدر من المعلومات عنه ، وبمثل تلك الغزارة وذلك اليقين.