قرب حدود إقليم غارت. ويقع في أسفلها سهل فسيح يمتد على مسافة عشرة أميال (٤٢١) عرضا وثمانية وعشرين ميلا طولا من الشمال للجنوب (٤٢٢). ويمر نهر النكور من وسطه وهو الذي يفصل إقليم الريف عن إقليم غارت. ويسكنه عرب يزرعون أرضه ويحصدون منه كمية كبيرة من القمح ، تبلغ حصة أمير بادس منها حوالي خمسة آلاف كيل.
وقد كانت هذه المدينة كثيرة السكان وآمنة جدا ، ففيها كان يقيم أمير هذه المنطقة. ولكنها تخربت على ثلاث دفعات. فقد تخربت أول مرة على يد خليفة القيروان (٤٢٣) الذي غضب من رفض أمير المزّمة دفع الضريبة العادية ، فسقطت المدينة بيده وخربها وأحرقها. وقطع رأس أميرها وأرسله إلى القيروان فوق رأس رمح ، في عام ٣١٨ للهجرة (٤٢٤).
وبعد ذلك ظلت هذه المدينة مهجورة لمدة خمسة عشر عاما ، قام في نهايتها بعض الأمراء بإعمارها تحت حماية خليفة قيروان. غير أن الغيرة انتابت ملك قرطبة منها لأن هذه المدينة لم تكن تبعد أكثر من ثمانين ميلا عن حدوده البحرية ، مما يعادل عرض البحر بين مالقة التي تقع في مملكة غرناطة ، وبين هذه المدينة الواقعة في موريتانيا. وابتدأ ملك غرناطة إذن محاولته للحصول على الضريبة منها ، ولكن رفض طلبه.
فأرسل حينئذ اسطولا احتل المدينة في فترة وجيزة ، إذ لم يكن هناك أية نجدة متوقعة من خليفة القيروان التي تبعد عنها الفين وثلاثمائة ميل (٤٢٥) ، حتى أنه قبل أن يصل طلب النجدة إلى القيروان ، كانت المدينة قد سقطت ودمّرت ونهبت واقتيد أميرها سجينا إلى
__________________
(٤٢١) ١٦ كم.
(٤٢٢) لهذا السهل المثلث الشكل قاعدة طولها ١٠ كم في طول البحر و ١٦ كم من الشمال للجنوب.
(٤٢٣) الخليفة الفاطمي عبيد الله ، أول خلفاء الفاطميين.
(٤٢٤) هذه الحوادث لا تتعلق بالمزمّة ذاتها ، بل بمدينة اسمها النكور ، عاصمة إمارة عربية مستقلة. ويعتقد أن النكور كانت واقعة على الضفة اليسرى لوادي النكور ، على مسافة خمسة عشر كيلومترا من المزمّة التي كانت تشكل ميناءها ـ وفي ٢٦ حزيران (يونيه) ٩١٧ م ، قام القائد مسّالة بن حبوس ، الذي أرسله خليفة القيروان الفاطمي لفتح المغرب ، بتخريب المدينة وأرسل رأس أميرها العربي مع بضعة من أفراد أسرته إلى القيروان.
(٤٢٥) ٣٦٠٠ كم والحقيقة ١٤٠٠ كم فقط.