واستمر هذا الحصار ثلاثين شهر. وكانت الهجمات يومية. ففي كل مساء كانت تبنى زاوية محصّنة لجلب الجنود بأمان حتى أسفل السور. ودخل ملك فاس الى تلمسان بقوة السلاح ، ونهبها ، ثم اقتاد ملك تلمسان إلى فاس أسيرا حيث ضرب رأسه ورمى بجسده فوق قاذورات المدينة (٤٥) وبعدئذ عمل الملك على تخفيف بعض الأضرار التي لحقت بمواطني تلمسان وقصد مملكة تونس بعد أن ترك فيها إبنه عثمان (٤٦) نائبا على مملكة تلمسان ، وكانت تلك هي الكارثة الثانية لتي حاقت بمدينة تلمسان (٤٧)
وفي المرحلة التي ضعفت فيها سلطة المرينيين ، كان سكان تلمسان قد تكاثر عددهم حتى لقد أصبح عدد بيوتها المسكونة يضم ثلاثة عشر ألف أسرة.
وتتوزع في تلمسان كل المهن وكل أصناف التجارة بين مختلف الأمكنة والشوارع ، على غرار ما سبق ان فصلناه فيما يتعلق بفاس. ولكن المنازل فيها كانت أقل بهاء مما كانت عليه في فاس. ويوجد في هذه المدينة بضعة جوامع جميلة معتنى بها بصورة حسنة ولها أئمة وخطباء. كما تحوي أيضا خمس مدارس بديعة حسنة البنيان جدا ومزدانة بالبلاط الملون وسواه من الأعمال الفنية. وقد شيّد بعضها ملوك تلمسان ، والبعض الآخر ملوك فاس. كما أن فيها بضع حمامات كبيرة من كل المستويات ، ولكن لا نجد فيها نفس الوفرة بالماء كما في حمامات فاس. وتوجد فيها بضعة فنادق حسب الطراز الأفريقي من بينها إثنان لسكنى التجار البنادقة والجنويين. وفيها حي كبير يضم قرابة خمسمائة بيت لليهود ، وكانوا كلهم أغنياء تقريبا في وقت ما ، قبل أن تنهب ارزاقهم بعد موت الملك ابي عبد الله ، في سنة ٩٢٣ هجرية ، حتى أنهم أصبحوا بعد ذلك شبه متسولين (٤٨).
__________________
(٤٥) في شهر آب (أغسطس) ١٣٣٥ م جاء سادس سلطان مريني وهو أبو الحسن علي كي يحكم الحصار على تلمسان التي كان يحكمها آنئذ السلطان الزياني أبو تاشفين عبد الرحمن. فرمم المنصورة واحتلها. وسقطت تلمسان بهجوم خاطف في ٢٩ نيسان (ابريل) ١٣٣٧ م.
(٤٦) ابو عنان فارس
(٤٧) لقد اراد ابو الحسن على بعد احتلال تلمسان ان يزور ابن عمه ، والد زوجته ، وهو سلطان تونس الحفصي ، أبو يحيى ، في نفس الوقت الذي يطوف فيه بالمقاطعات التي انضوت تحت سلطته ، ولكنه سقط مريضا في معسكره في سهل المتيجة واضطر للعودة الى فاس.
(٤٨) توفي السلطان ابو عبد الله محمد عام ٩٢١ ه / ١٥١٦ م.