الملح (٣٩) ثلاثة دنانير ورطل اللحم (٤٠) ثلث دينار (٤١). ولما عجز الشعب عن احتمال هذه المجاعة اشتكى الى الملك. وأجاب هذا بأنه سيقدم عن طيب خاطر لحم جسده إذا كان ذلك كافيا لإطعامهم جميعا ، معتبرا لحمه قليل القيمة في مقابل وفائهم. واستدعى خمسة أو ستة من سراة المدينة وأرسلهم الى مطبخه كي يروا وجبة طعامه لذلك اليوم ، وكانت تتألف من خليط من لحم حصان وحبات شعير سليمة ، وأوراق برتقال وزيتون واشجار اخرى كي يكبر حجمها في بادىء النظر اليها. وبذلك عرف الشعب أن الشدّة التي يعانيها الملك كانت أكبر من ضيق أي واحد من المواطنين. وحينئذ استدعى الملك (٤٢) أولاده وأخوته وحفدته وتوجه اليهم بكلام مؤثر وخلص من كلامه الى انه مستعد للموت بشجاعة أمام العدو عوضا عن الاستمرار في حياة مهينة وبائسة. وشعر هؤلاء بنفس الشجاعة التي كانت لديه وانه ليس أمامهم إلا اللحاق به غدا. وقد عبّر الشعب قاطبة عن رضاه. ولكن شاء الحظ السعيد أن حدث في نفس الصباح الذي تحدّد فيه موعد خروجهم أن قتل الملك يوسف بيد أحد خصيانه في اثناء نوبة جنون اعترته. وقد فت الخبر في عضد المحاصرين ، ولما انتقل الخبر الى تلمسان ، زاد من جرأة السكان الشجعان ، فنفروا جميعا لقتال أعدائهم وفي مقدمتهم الملك نفسه ، وأحرزوا انتصارا لم يكن في حسبان الملك في بادىء الأمر. وقد قتل عدد كبير من الأعداء ولاذ كثير منهم بالفرار بدون نظام. واستولى الجيش المنتصر على كثير من الماشية التي اضطر العدو الى التخلي عنها. ونعمت المدينة بعد مجاعتها برخاء كبير حتى إن كيل القمح (٤٣) الذي كان سعره في الصباح ثلاثة دنانير اصبح بدرهمين عند الظهيرة (٤٤) ، غير ان كلّا منهم كان يعاني الكثير من الألم بسبب طول الحصار الذي خضع له.
وبعد أربعين عاما من ذلك بنى أبو الحسن ـ وهو رابع ملك في فاس من الأسرة المرينية ـ مدينة على مسافة ميلين غربي تلمسان وحاصر تلمسان بالعديد من الجيوش.
__________________
(٣٩) ٧ ، ١٣ لتر.
(٤٠) أي ٣٤٠ غرام.
(٤١) لا نعرف قيمة الدينار الزياني في ذلك العصر ، ولعله كان يعادل ١٤ غرام ذهب.
(٤٢) هو أبو زيّان محمد.
(٤٣) ١٧ ، ١٣ لتر.
(٤٤) أو ١٣ سنت ذهب.