السكان فريقين ، فالذين يسكنون هذه التلال لهم بيوت مناسبة جدا مبنيّة بجدران ويزرعون الحقول والكروم ويهتمون بأشياء أخرى ضرورية لحاجات المعيشة. ويقيم الفريق الثاني ، وهو أكثر شرفا من أهل الفريق الأول ، في البادية تحت الخيام وينصرف لتربية الماشية. ولهؤلاء عدد كبير من الإبل والخيول وهم ميسورون جدا ، ولذلك يدفعون بعض الاتاوات لملك تلمسان.
ولأهل التلال الكثير من القرى ، ولكن لقريتين منها أهمية أكبر من سائر القرى الأخرى.
فالأولى تدعى قرية هوارة ، وتضم أربعين بيتا من الصناع والباعة. وقد بنيت على هيئة حصن على سفح جبل بين واديين. وتسمى الثانية المعسكر. وفيها يسكن وكيل الملك مع فرسانه. ويعقد سوق في هذه القرية كل يوم خميس وتباع فيه كميات من الماشية والحبوب والزبيب والعسل ، والكثير من الأقمشة البلدية وأشياء أخرى أقل قيمة كالحبال والسروج والأعنّة وأجهزة الخيل. وفي الفترة التي كنت فيها في هذه المنطقة ، حدث أن قصدت السوق لشراء بعض الحاجات الضرورية للرحلة التي كنت أقوم بها عندئذ للذهاب إلى تونس. ووصلت إلى السوق على ظهر الجواد واشتريت منه أولا حبال الخيام. وبعد أن فرغت من صفقتي وضعت الرجل اليسرى فوق عنق الحصان كي استطيع تعداد نقودي فوق ركبتي. وتركت المقود وأدرت رأسي لدفع ثمن ما اشتريت. وبعد ان سدّدت ما استحق عليّ ادرت رأسي لنفس الجهة ووضعت رجلي في الركاب. ولكن عند ما أردت استلام العنان لم أجده. ونظرت إلى هنا وهناك ثم ناديت الخادم كي يقود راحلتي إلى البيت. وبعد هنيهة وصل خادمان لوكيل الملك اللذين قالا لي : «سيدي ، لقد سرق عنان جوادك اثنان من البغالة التابعين للوكيل وكانا لا يعرفان أنك ضيفنا. وقد رأيناه واسترددناه بالقوة ، وانظر فيه إذا كانا قد سرق منك شيء آخر». ثم اشتريت ما كنت لا أزال بحاجة إليه وعدت إلى البيت. وقد رويت هذه القصة لوكيل الملك في أثناء تناول الغداء فانفجر ضاحكا وقال لي : لا تندهش إذا ما قلت لك إننا نعاني الكثير من المصاعب كي نجد أناسا يرتضون مهنة بغّال ، وهي مهنة حقيرة وشاقة. ومن ناحية أخرى نحن ندفع لهم أجرا زهيدا لا يكفيهم أبدا. وهم لذلك يضطرون ، من أجل أن يربحوا شيئا ضئيلا إضافة لدخلهم ، سواء كانوا