الذي كانت تشغله. وتقوم على ضفاف هذا النهر بساتين عديدة وحقول غاية في خصوبتها.
وقد ظل هذا السهل مهجورا تماما إلى أن جاء ناسك حسب عادة تلك البلاد واستقر فيها مع عدد من تلامذته الذين يرون فيه تقريبا واحدا من أولياء الله. وقام هذا الرجل بزراعة الأراضي كما تزايد عدد ثيرانه وخيوله وأغنامه لدرجة أصبح هو ذاته لا يعرف عددها ، ولم يكن هو ولا اتباعه يدفعون أية عوائد للملك ، ولا للعرب ، لأنه كان يعتبر وليا كما سبق أن قلنا. وقد روى لي عدد من تلامذته أن عشور أراضيه كانت تبلغ ثمانية آلاف كيل من القمح في العام ، وأنه كان يملك حوالي خمسمائة رأس من ذكور الخيل وإناثها ، وعشرة آلاف رأس من الأغنام وألفي ثور ، كما كان يتلقّى سنويا من مختلف أنحاء العالم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف دينار ، على شكل هدايا وصدقات مرسلة من أناس مختلفين لأن شهرته امتدت في كل آسيا وفي كل افريقيا. وزاد عدد مريديه بنفس النسبة العالية حتى إن متوسط عدد الذين كانوا يبيتون عنده يوميا كان يبلغ حوالي خمسمائة شخص. ولهذا السبب يهرع إليه جمهور لا يحصى من الأشخاص. ويأكل جميعهم على حسابه ، ولكنهم يساعدونه جميعا في عمل شيء ما في زاويته. ويوجد له اتباع منتشرون في كل أنحاء العالم الاسلامي. وهو لا يفرض عليهم أية تعاليم وليس عليهم أن يؤدوا غير الصلوات الاعتيادية. لكنه يحدّد لهم بعض اسماء الله ويطلب منهم ذكر هذه الأسماء في صلواتهم عدة مرات في اليوم (٧١). وعند ما يتعلم تلامذته منه ما فيه الكفاية يعودون لبلادهم. ولديه ثلاثمائة خيمة ، بعضها لسكنى الغرباء ، وبعضها لرعاته ، وبعضها لعائلته. ولهذا الناسك ، الطيب والعالم ، أربع زوجات والكثير من الإماء السرّيات اللاتي أعطينه عددا من الأولاد بين ذكور وإناث ، ولهم جميعا هندام طيب ، ولأولاده أيضا نساؤهم وأولادهم ، حتى ليبلغ عدد افراد اسرته وأسر ابنائه قرابة خمسمائة.
ويتمتع هذا الرجل بتبجيل العرب وهو محترم بشكل عظيم حتى إن الملك يخشاه. ولقد وددت أن أعرف من هو وذهبت لأمضي عنده ثلاثة أيام وكنت أتناول طعام العشاء معه كل مساء ، في غرفة خاصة ، ليس معنا أحد. وقد أراني هنا فيما
__________________
(٧١) وربما كان هذا ما يسمى بالذكر الخاص بكل طريقة صوفية اسلامية ، ونظام ورادها الخاصة ، جمع ورد.