راى أهل الجزائر أن ملك تلمسان لا يستطيع أن ينجدهم ، وأن ملك بجاية يستطيع أن يضرهم كثيرا ، فقد قدموا لهذا الأخير خضوعهم وضريبتهم ، ولكنهم ظلوا أحرارا نوعا ما. وبعدئذ سلحوا بعض المراكب للقرصنة وتحولوا إلى قراصنة ، وهكذا راحوا يغيرون على جزر إبيزا ومايورقة ومينورقة ، وحتى السواحل الأسبانية.
ولهذا السبب أرسل الملك الكاثوليكي فرديناند أسطولا عظيما لمحاصرة الجزائر. فبنى هذا الأسطول فوق جزيرة صغيرة صخرية ، وفي مواجهة المدينة تماما ، بنى قلعة جميلة وكبيرة وقريبة جدا ، فكان الرمي يصيب الأرض ، حتى إن رمي المدفعية كان يمر من فوق اسوار المدينة ، من سور لآخر (١١٢).
ونتيجة لذلك اضطر سكان الجزائر لإرسال سفارة إلى أسبانيا لاقتراح هدنة مدتها عشرة أعوام مقابل دفع جزية معينة رضي بها الملك (١١٣) ، وهكذا ظلوا في سلام مدة بضعة أشهر.
وفي هذه الأثناء جاء بربروس وحاصر بجاية (١١٤) ، وبعد أن احتل قلعة من بناء الأسبان ، أحكم الحصار أمام الأخرى. ولكن ذلك لم يؤد إلى نتيجة لأن كل قبائل الجبل التي هرعت لمساعدته ، تخلت عنه بدون استئذان في موسم البذار ، وفعل الكثير من جنود الأتراك نفس الشيء (١١٥). واضطر بربروس للهرب ؛ ولكن قبل أن يذهب أشعل بيده النار في اثني عشر زورقا كانت راسية في النهر على مسافة ثلاثة أميال من بجاية. والتجأ مع أربعين من جماعته إلى قصر جيجل الذي يقع على مسافة ستين ميلا (١١٦) وظل فيه بعض الوقت (١١٧) وفي هذه الفترة مات الملك الكاثوليكي (١١٨) ورغب
__________________
(١١٢) لقد عهد الكونت بيار نافارو الأمير الأكبر للأسطول الأسباني ، عهد في عام ١٥١٠ م لديبجو ديفيرا ، قائد العمارة البحرية في البحر المتوسط ببناء قلعة صخرة الجزائر ، وهذا بموافقة الجزائريين من أبناء المدينة ، الذين ساعدوه بالأعمال وقدموا له مواد البناء.
(١١٣) ربما كان ذلك في ربيع عام ١٥١٥ م.
(١١٤) ٤ آب (أغسطس) ١٥١٥ م.
(١١٥) هطلت في أواسط شهر أيلول (سبتمبر) أمطار شديدة في جبال القبائل أدت إلى خسائر جسيمة ، فهربوا من المعركة لحراثة أراضيهم.
(١١٦) جيجلى وتقع فعلا على مسافة ٩٦ كم من بجاية.
(١١٧) من أواخر أيلول (سبتمبر) حتى ١١ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٥١٥ م.
(١١٨) مات فرديناند الكاثوليكي في ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ١٥١٦ م.