وكيلا ، كان رجلا طيبا ، وابن موظف ملكي كبير يدعى فرح وكان هذا نصرانيا اعتنق الاسلام ، كان الملك يستعين به في اكثر القضايا اهمية سواء في الخدمة او في الادارة. وقد انشرحت نفوس السكان لهذا الوكيل ، وهو رجل شريف ومتواضع في قيادته.
وفي الجانب الشمالي من قسنطينة تقع قلعة قوية كبيرة بنيت في زمن تأسيس المدينة ، ودعمت تحصيناتها على يد الوكيل الحالي ، وهو كذلك نصراني اعتنق الاسلام ، واصله من مقاطعة بروقانس. ويدعى السيد نبيل (٣٦).
وكان هذا الرجل على درجة كبيرة من الدهاء فقد استطاع ان يبث مكائد خطيرة بين سكان قسنطينة بعضهم ضد بعض ، وكان يحرك هذه الخصومات في الاتجاهات التي تحقق اغراضه ، ولجأ كذلك الى مداورات مع العرب المجاورين للمدينة ، ومع أن هؤلاء كانوا أنبل العرب الموجودين في افريقيا وأشدهم بأسا (٣٧) فقد جعلهم يعيشون في حذر دائم. وقبض مرة على رئيس من هؤلاء العرب كان تحت امرته خمسة آلاف فارس ، وقبض على أبنائه وحفدته وإخوته ، ولم يطلق سراحه الا بعد ان ترك عنده ثلاثة من ابنائه رهائن في قلعة قسنطينة.
وبلغ به الغرور ان راح يضرب عملة تحمل اسمه. وقد بدت هذه العملة افضل من عملة الملك ولما علم الملك بالأمر استدعاه على عجل ، ولكنه لم يستجب لدعوة الملك ولم يرغب في ذلك ، واكتفى بأن أرسل للملك كمية كبيرة من الدنانير مع هدية عظيمة. واضطر الملك الى السكوت لأنه لم يستطع ان يفعل شيئا آخر.
وانتهى الامر بنبيل الى ارتكاب الكثير من المظالم تجاه الشعب الذي ثار عليه ، في الوقت الذي كان في نوميديا يضرب الحصار على مدينة بسكرة. وعند سماعه بهذه الانتفاضة ، عاد مباشرة الى قسنطينة ولكنه عجز عن دخولها. واضطر الى الذهاب الى تونس طالبا نجدة الملك. ولكن الملك رماه في سجن مظلم بمجرد وصوله وفرض عليه غرامة مقدارها خمسة آلاف دينار. وبعد ان دفع الغرامة وخرج من السجن منحه الملك النجدة التي طلبها وأرسله كي يضرب الحصار على قسنطينة فدخلها بعد عدة ايام بفضل
__________________
(٣٦) استلم السلطان ابو عبد الله محمد مقاليد السلطة في ١٦ ايار (مايو) ١٤٩٤ م كما توفي القائد ابو الفهم نبيل في ٢١ ايار (مايو) ١٤٥٣ م في عهد السلطان عثمان.
(٣٧) قبيلة رياح.