وتستطيع قسنطينة ، استنادا إلى أبعادها ، أن تضم ثمانية آلاف أسرة. ولديها موارد كبيرة ، وهي مدينة مطمئنة ، مليئة بأبنية شريفة وبمنازل كبيرة ، كالجامع الكبير ومدرستين وثلاث زوايا أو أربع. وأسواقها عديدة ، حسنة التنظيم ، ولكل أصحاب مهنة فيها مقر منفصل عن مقر اصحاب المهن الأخرى. ورجالها شجعان ، ميالون للخصام ، ويشتد هذا الميل بين الصناع. وفيها عدد كبير من الباعة الذين يزاولون تجارة الأقمشة الصوفية المصنوعة محليا. ويصدر بعض التجار الزيت والحرير الى نوميديا. وكذلك الأقمشة الكتانية. ويباع كل ذلك بالمقايضة مقابل التمور والعبيد. ولا توجد مدينة في جميع بلاد البربر ترخص اثمان تمورها بمقدار رخصها في قسنطينة ، إذ يمكن شراء ثمانية أرطال إلى عشرة (٣٠) مقابل ثلاثة بيوكشيات (٣١). ويميل أهل قسنطينة الى القصد في شئون ثيابهم وزينتهم ، وهم متعجرفون وذو وتفكير سقيم. وكان من عادة ملوك تونس منح قسنطينة لولدهم البكر. ولكن الملك الحالي (٣٢) كان يعطيها تارة لهذا وتارة لذاك من أبنائه. فقد عهد بها في البداية الى ولي عهده (٣٣) الذي شرع في اعمال جليلة اذ ذهب مع جيشه لملاقاة العرب. ولكنه قتل في أول حملة على أيدي هؤلاء وقضي على كل جيشه (٣٤) ، وعلى أثر ذلك اعطى الملك المدينة لولد آخر من اولاده يدعى عبد العزيز ، وهو شاب قاس ظالم ، كان ثملا باستمرار ، وانتهى به الامر الى الهلاك بسرطان نهش خاصرتيه.
ثم أعطاها لولد آخر ، وهو غلام صغير ، كان أقرع ، لوطيا ، سكيرا عربيدا ظالما. وثار الشعب عليه وحاصره في القلعة ، الى أن ارسل والده بعض الضباط الذين اقتادوه مكبلا بالأغلال الى تونس. والقي به في السجن وأجبره على دفع غرامة بلغت خمسين الفا من الدنانير المزدوجة (٣٥). وبعد هذا أرسل الملك الى قسنطينة ،
__________________
(٣٠) اي ما يعادل ٧ ، ٢ كغم إلى ٤ ، ٣ كغم.
(٣١) حوالي ٢٠ سنت ذهب.
(٣٢) السلطان ابو عبد الله محمد.
(٣٣) الناصر.
(٣٤) قال المؤلف في كتابه الأول انه في عام ٩١٥ ه (بين ٢ / ٤ / ١٥٠٩ و ٩ / ٤ / ١٥١٠ م ذهب ابن ملك تونس لاستلام الضريبه من الشاوية فتعرض لهجوم وانكسر وقتل وكان على رأس قوة قوامها ٢٠٠٠ فارس على رأسها الناصر ذاته. «الشاوية هم بربر جبال الاوراس وليسوا من العرب» (المترجم).
(٣٥) ضعف الدينار التونسي او ما يعادل ٨١١٠٠٠ فرنك ذهب.