فيها فقد أقام امير قسنطينة بها مساكن ومستودعات للجنويين الذين يتاجرون في البلاد ، وبنى كذلك قرية في قمة جبل مجاور (٢٦) ، ويقيم في هذه القرية باستمرار مرشد يعطي اشارة للسفن المتجهة نحو الميناء. ويزاول سكان جبل سكيكدة التجارة بكثرة مع الجنويين ، فيقدمون لهم القمح ويأخذون منهم بالمقابل اقمشة ومنتوجات اوروبية اخرى. ويمتد بين هذا الميناء ومدينة قسنطينة طريق مبلطة بحجارة سوداء ، كما ترى في ايطاليا الطرق التي يسمونها الطرق الرومانية. وفي ذلك دليل قوي على ان سكيكدة قد بناها الرومان (فقد رصفوا بعض طرقها على غرار طرق ايطاليا) (٢٧).
مدينة قسنطينة
قسنطينة مدينة قديمة من بناء الرومان (٢٨). ومن المستحيل نكران ذلك عندما ترى أسوارها القديمة العهد ، العالية ، والسميكة ، والمصنوعة من حجارة منحوتة مسودّة. وتقع قسنطينة فوق جبل شديد الارتفاع وهي محاطة من الجهة الجنوبية بجروف عالية يمر من أسفلها نهر يدعى سوفغمار (٢٩). والضفة الاخرى للنهر محفوفة أيضا بجروف ، حتى أن الفج العميق الذي يقع بين هذين الجرفين القائمين يقوم بوظيفة خندق بالنسبة للمدينة ، ولكنه اكثر فائدة للمدينة من مجرد خندق.
وتتمتع المدينة من الشمال بأسوار غاية في المناعة ، وهي فضلا عن ذلك تقع في اعلى قمة في الجبل. وينتج عن ذلك تعذر الوصول الى قسنطينة الا بدروب ضيقة صغيرة. بعضها من الشرق ، وبعضها من الغرب. وللمدينة أبواب جميلة كبيرة جيدة التصفيح بالحديد.
__________________
(٢٦) على رأس سكيكدة.
(٢٧) هناك كتابة فوق جسور هذا الطريق تدل على انها شيدت بجهود كتيبة اوغستا بناء على امر الامبراطور هادريان (١١٧ ـ ١٢٨ م).
(٢٨) كانت تدعى في العصر القديم سيرتا ، وكيرتا في اللغة البونية ، اي المدينة. ولقد تخربت في اعقاب ثورة ثم اعيد بناؤها بأمر من الامبراطور قسطنطين (٣٠٦ ـ ٣٢٣ م) ومنحت اسم قسطنطين ، وفي العربية قسنطينة.
(٢٩) ذكر هذا الاسم على شكل سوفغمار في القسم العاشر. وقد نقله مارمول على شكل سوفوغمار بومرزوق. وكلمة سوف تعني النهر في بعض اللجهات البربرية ، ولكن لم يكن التعرف على معنى بقية الكلمة بشكل مضبوط ، ويبدو ان المقصود بها وادي الرمل الذي يرفده واد بومرزوق قبل دخوله قسنطينة.