الساحل بالتأجير إلى أهل جنوا الذين يتعرضون لمضايقة القراصنة حتى إنهم طلبوا السماح لهم ببناء قلعة فيه. ولكن السكان لم يقبلوا ذلك بدعوى أن أهل جنوا سبق لهم في الماضي أن هيمنوا على المدينة بسبب هذه الحيلة ونهبوها ، ثم استردها ملك تونس فيما بعد.
تيفش
تيفش مدينة بناها الأفارقة في العصر القديم على مسافة خمسين ميلا من عنابة باتجاه الجنوب (٤٨). وقد كانت في الماضي مدينة آمنة كثيرة السكان ومزدانة بأبنية فخمة ، ولكنها تخربت عند ما جاء العرب (٤٩) إلى إفريقيا. ثم أعيد إعمارها فيما بعد ، أي بعد بضعة أشهر ، ولم تتعرض حينئذ لأي أذى. وبعد ذلك احتلها عرب آخرون وخربوها من جديد.
وظلت أخيرا في حوزة قبيلة إفريقية لم تستخدمها إلا لتخزين حبوبها. وتدعى هذه القبيلة هوارة. ولها في أيامنا أمير يدعى نسر. وبعد أن جمع هذا الأمير العديد من الفرسان راح يحارب لمصلحة قبيلته حتى بلغت به الشجاعة أن يوطد مركزه في الأرياف على الرغم من العرب. وهو الذي قتل أمير قسنطينه الذي يدعى الناصر ، ابن ملك تونس. وبعد هذا جاء الملك بشخصه ، في إحدى المرات التي كان عائدا فيها من نوميديا ، ومر بتيفش ونهبها وهدم ما كان قائما فيها. وقد وقعت هذه الأحداث في عام ٩١٥ ه (٥٠).
__________________
(٤٨) تقع تيفش على مسافة ٨٠ ميلا أو ١٢٨ كم من عنابة ولا يرى فيها سوى القليل من آثار تيبازا نوميدا روم في المنطقة النوميدية الخالصة. وهذا الاسم هو مثال واضح للتحريف اللاتيني للحروف الصوتية البربرية فانقلب حرف ب الى حرف ف كما انقلب حرف س الى حرف ش «وعلى هذا يمكن لفظها تيفش» (المترجم).
(٤٩) أي البدو الهلاليون «ونظريته في هذا الصدد تماثل آراء ابن خلدون تماما» (المترجم).
[انظر تعليقنا رقم ٣٥٩ على مقدمة ابن خلدون لتوضيح ما يقصده ابن خلدون من كلمة «العرب» في جميع الفصول التي وردت فيها هذه الكلمة في مقدمته ، الجزء الثاني الطبعة الثانية للجنة البيان تحقيق الدكتور على عبد الواحد وافي ص ٥٧٩ وتوابعها ، وانظر كذلك مقالا لنا بعنوان «اتهام ابن خلدون بالتحامل على العرب» نشر بمجلة «الأصالة» الجزائرية عدد سبتمبر ـ أكتوبر ١٩٧٣]. (المراجع).
(٥٠) أي بين ٢١ / ٤ / ١٥٠٩ و ٩ / ٤ / ١٥١٠ م.