وظلت مدة طويلة غير مأهولة حتى زمن المهدي ، الخليفة الشيعي ، الذي عمل على إعمارها بالسكان. ولكن لم يعمر منها سوى واحد من عشرين من رقعتها التي كانت مسكونة بالأصل. وترى في بعض أمكنتها أسوار كاملة ، فضلا عن خزان ماء ذي سعة كبيرة جدا. وكانت هناك قناة تأتي إلى قرطاج بالماء من جبل يقع على مسافة ثلاثين ميلا من هنا ولا تزال كاملة على حالها. ولهذه القناة نفس ارتفاع القناة التي تقود الماء إلى القصر الكبير في روما (٨٢). وقد ذهبت إلى مأخذ الماء الذي يغذي قناة قرطاج (٨٣). وتظل القناة على مستوى سطح الأرض على مسافة طولها عشرة أميال (٨٤) لأن الأرض مرتفعة بجوار الجبل. وكلما ابتعدت عن الجبل ، وكلما انخفضت الأرض ، أصبحت القناة أعلى فأعلى إلى أن تصل إلى قرطاج.
وقد رأيت كذلك في خارج المدينة كثيرا من الأبنية القديمة والتي لم أعد أتذكرها بصورة دقيقة في الوقت الحالي. ويقوم حول قرطاج ، ولا سيما من الغرب والجنوب ، عدد عظيم من مزارع الأشجار المليئة بالثمار التي لا تقل رونقا في نوعها وجودتها عن حجمها ، وخاصة الدراق والرمان والزيتون والتين. وتستمد تونس من هذه المزارع فواكهها.
والأراضي الزراعية المجاورة لها طيبة للزراعة ولكنها صغيرة الرقعة للغاية. إذ يقع البحر من طرف الشمال ومن الشرق ، وبحيرة حلق الواد من الجنوب ، والتلال من الغرب ، ومن ورائها تتاخم سهول بنزرت التي تؤلف قسما من أراضي هذه المدينة الأخيرة.
أما اليوم فقد آلت مدينة قرطاج إلى حالة قصوى من البؤس فلا نجد فيها أكثر من عشرين أو خمسة وعشرين دكانا وحوالي خمسمائة من البيوت القبيحة المنحطة. ولكن يوجد فيها جامع جميل ، شيد في أيامنا ، ومدرسة ليس بها أي طالب ، حتى أن عوائدها تصرف إلى الخزينة الملكية.
__________________
(٨٢) أي إلى قصر البالاتان في روما.
(٨٣) أي إلى نيمفيا الرومانية الواقعة على مسافة ٥٥ كم جنوب تونس قرب المدينة الصغيرة زغوان والتي تجمع الماء من عدة عيون في جبل زغوان.
(٨٤) ١٦ كم.