وبعد مضي قرابة ثلاثمائة وخمسين عاما تخربت مدينة القيروان على أيدي العرب ، في أعقاب تمرد قائد أفريقيا الذي خرج على الخليفة القائم ، حتى إن هذا الحاكم انسحب نحو الغرب وحكم بجاية وكل البلاد المحيطة بها (٨٧).
وبقيت في تونس أسرة تمت بصلة القرابة لقائد إفريقيا. وإليها كان ينتسب الأمراء الذين كانت يمتلكون تونس (٨٨). وبعد عشرة أعوام تم طرد أمراء بجاية على يد يوسف بن تاشفين الذي أقرّ أمراء تونس في مناصبهم بعد أن رأى خضوعهم
__________________
ـ على إفريقيا ، مثل معاوية بن حديج الكندي بين ٦٦٥ م إلى ٦٧٠ وعقبة بن نافع الفهري من ٦٧٠ إلى ٦٨٥ م ، الذي أسس القيروان ، وابو مهاجر دينار من ٦٧٥ إلى ٦٨١ م ، وعقبة بن نافع للمرة الثانية من ٦٨١ إلى ٦٨٣ م لم يخوضوا معارك حقيقية ضد البيزنطيين ، وقتل عقبة في تهوده ، قرب بسكرة على أيدي البربر الذين حكم زعيمهم كسيلة خلال خمسة أعوام في القيروان. وقدمت حملة عسكرية انتصرت على هؤلاء البربر وقتلت هذا الزعيم في ممس سنة ٦٨٧ م ، ولكن هذه القوات اضطرت للعودة في اتجاه مصر ولاحقها البيزنطيون حتى إنها انكسرت في برقة ، في ليبيا الحالية ، بحيث ضاعت إفريقيا بعدها من أيدي المسلمين. غير أن اضطرابات المشرق الإسلامي هدأت في عام ٦٩٣ م واستردت الخلافة حرية التصرف. وتجاه ذلك ارتكب الامبراطور جوستنيان الثاني كل الاخطاء الممكنة حتى أنه تعرض لبتر أحد أعضائه وللنفي في سنة ٦٩٥ م. وفي تاريخ غير دقيق ، وفي حدود العام ٦٩٣ م تراءى للخليفة عبد الملك أن الوقت قد حان للتحرك في أفريقيا فأرسل إليها جيشا قوامه أربعون ألف مقاتل بقيادة الحسن بن النعمان الغساني وأفلح هذا في اجتياح قرطاج. واعتقد بعد ذلك أنه خضد شوكة الملكة البربرية الكاهنة ديا ، ولكنه تعرض لهزيمة اضطرته للبقاء خمسة أعوام متريثا على الحدود الشرقية لولاية طرابلس وصحراء سيرت. وهكذا استرد البيزنطيون ملكية قرطاج. وبعد أن أرسل الخليفة عبد الملك المال اللازم والقوات الجديدة استأنف الحسن الغساني حملته ضد الملكة البربرية ، فكسر قواتها وقتلها ، واسترد بعد ذلك قرطاج ومنطقتها وأصبح الفتح نهائيا. ويبدو أن الحسن الذي جعل مقره القيروان اهتم بوجه خاص بمدينة تونس ، وليس من المستبعد أن يكون هو الذي أعاد القوات المرابطة في تونس إلى القيروان ، مما سمح لأهل المنطقة بشغل المساكن التي أصبحت خالية ، وساعد على ازدهار هذه المدينة الصغيرة بعد أن تهدمت قرطاج.
(٨٧) بعد أكثر من ثلاثمائة وستين سنة هجرية أي في ٤٤٩ ه / ١٠٥٧ م لجأ ملك القيروان المعز بن باديس ، الذي كان تحت التهديد المستمر من زحف العرب الهلاليين الذين كانوا يثيرون الفوضى في القيروان ومنطقتها منذ ١٠٥٢ م ، لجأ إلى المهدية حيث توفي في ١٤ آب ١٠٦٢ م ، واحتفظ أحفاده بسلطة مزعزعة حتى سقوط هذه المدينة بيد أمير البحر النصراني جورج التابع للملك روجر ، ملك صقلية ، بتاريخ ٢٢ حزيران (يونية) ١١٤٨ م. وقد خلط المؤلف قصة المعز ، وهو ملك القيروان الصنهاجي الزيري ، مع قصة جاره في الغرب ومنافسه ، وابن عمه البعيد الناصر بن علناس ، وهو ملك من بني حماد في تاكربوست ، أو قلعة بني حماد ، قرب مسيلة ، والذي ارتكب المعز في حقه غلطة الاستنجاد بالعرب في عام ١٠٥٢ م. ولما بلغ ذروة صولته على أثر انهيار الملك الزيري الناصر ، احتل بلدة بجاية سنة ١٠٦٧ م وبنى فيها مدينة استقر فيها عام ١٠٦٨ م.
(٨٨) لا يبدو أن هذه الأسرة ، وهي بنو خراسان ، كانت تنتسب إلى الزيريين ، ولكنها تحالفت مع ملوك بني حماد بعد عام ١٠٥٧ م.