أقاموا مساكنهم ويبدو هذا الزعم مؤيدا تقريبا لواقع وهو ان الناس الذين يقطنون الأرياف يستخدمون نفس لهجات سكان المدن ، فمثلا نجد ان زنانة الارياف يتكلمون كزنانة المدن ، وكذلك الحال بالنسبة للآخرين (٥٤).
ونلاحظ ان في أرياف تامسنه قد تعايش ثلاث من هذه القبائل وهي زناتة وهواره وصنهاجه. فتارة يعيشون في سلام وتارة اخرى يحتربون بشراسة ، مدفوعين على ما أظن ، بخصومة قديمة.
وكان بعض هذه القبائل يهيمن على كل افريقيا. تلك هي حالة الزناتة ، الذين قاموا بطرد أسرة ادريس (٥٥) ملك مدينة فاس الشرعي ومؤسسها (٥٦). ويدعى هذا الفرع من زناتة مكناسه. وجاء من بعدهم فرع آخر من زناتة نوميديا يدعى مغراوه ، وهو الذي أجلا مكناسه من المملكة ، وطرد منها الملوك الادارسة (٥٧). وبعد قليل من ذلك تعرض هؤلاء الزناتة كذلك للطرد على يد أناس قدموا من صحراء نوميديا. وكان هؤلاء ينتسبون لفرع من صنهاجه يدعى لمتونه. فحربوا كل منطقة تامسنة وأبادوا كل السكان الذين كانوا فيها ، باستثناء من كانوا من جنسهم ، فقد نقلوهم الى دكالة. وتلك الاسرة هي التي بنت مدينة مراكش (٥٨) (واشتهرت دولتهم باسم دولة «المرابطين»).
وقد حدث بعد ذلك ان جاء رجل على قدر كبير من الاهمية في العلوم الدينية ، دعي
__________________
(٥٤) يريد المؤلف أن بربر الأرياف لا يختلفون عن بربر المدن الا بوضعهم الاجتماعي ، ويعتبر كل الكتاب العرب ـ وهذا هو السائد كذلك عند البدو من البربر أنفسهم ـ ان الحياة الطليقة تحت الخيام تعتبر رمزا للحرية والشرف ، بينما تعتبر حياة المدن رمزا للعبودية
«اذا كان ذلك صحيحا جزئيا بالنسبة لبعض العصور التاريخية ، فهو لا يصح مطلقا في القرن العشرين». (المترجم).
(٥٥) وذلك تدريجيا حتى عام ٩٢٦ م.
(٥٦) هو إدريس بن عبد الله الذي يعتبر من سلالة الامام علي ، والذي قدم من المشرق ، وقد نودي به ملكا في ٦ شباط (فراير) ٧٨٩ م وربما أسس فاس في نفس السنة.
(٥٧) في أواخر القرن العاشر الميلادي.
(٥٨) في حوالي العام ١٠٥٤ م بدأ التوسع المرابطي الذي قامت به قبائل صنهاجة ، التي لم تأت من الواحات ، بل من الصحراء الكبرى الغربية ، والفرع الرئيسي منها كان لمتونه. وكانت اسرة بني وطاس التي انتهى اليها الملك في هذه المرحلة كانت تدّعى ، رغم انها من زناته ، انها تنحدر بالولاء أو بالتحالف من أمير المرابطين يوسف بن تاشفين. وقد أسس هذا مدينة مراكش سنة ١٠٦٢ م. وقد اعتقد الحسن (محمد بن الحسن الوزان الزياتي مؤلف الكتاب) بأن يوسف بن تاشفين هو الذي اباد المنشقين عن الاسلام في تامسنه ، ولم يستثن منهم سوى اخوانه في الدم الصناهجة. والواقع ان زناته وصنهاجة ليستا اكثر من اسمين عربيين لمسمى بربري واحد لهذه القبيلة وهو كلمة إيزناغن. هذا ولا زالت هناك قبيلة موريتانية في دائرة كايهيدي ، على نهر السنغال ، تدعى لمتونة.