زكريا ابن الملك يحيى وهلك بالطاعون بعد بضعة اشهر. وحينئذ انتخب شعب تونس وكبراؤه محمد ، ابن الحسن وابن عم زكريا ، ورفعوه إلى سدة العرش. ولكن محمد بعد أن وصل الى هذا المنصب السامي تملكته العجرفة مع نوع من استبداد جعل شعب طرابلس يطرد حاكمه والموظفين الملكيين ويختار أحد أبناء المدينة أميرا ، ووضع تحت تصرفه كل العوائد وخزينة طرابلس. وقد حكم هذا الرجل المدينة بتواضع كبير (١٩١).
ولكي يثأر ملك تونس من هذا التمرد ، أرسل الى طرابلس جيشا كبيرا بقيادة نائبه. ولكن هذا القائد مات مسموما بفعل العرب وبتحريض من أهل طرابلس ، وحينئذ تفرق الجيش. ولكنه حدث أن أمير طرابلس هذا ، الذي بدا في أول أمره متواضعا ، راح يمارس سلطة طاغية ، فقتله صهره. وحينئذ أجبر الشعب أحد شخصيات حاشية الأمير أبي بكر ، الذي كان قد اعتزل متنسكا ، على استلام إمارة طرابلس ، فاحتفظ بها بضعة أشهر إلى أن أرسل الملك الكاثوليكي فرديناند أسطولا ضد طرابلس بقيادة الكونت بيير نافارو. ووصل هذا الأسطول في إحدى الليالي على حين غرة أمام طرابلس. وفي اليوم التالي أخذ المدينة وسقط كل أهلها أسرى. وأقتيد الأمير وأحد أصهاره إلى مسيّنا حيث أمضوا في السجن بضع سنين ، ثم نقلوا الى بالرمو وهناك اعاد الامبراطور شارل لهما حريتهما. وعادا الى طرابلس بمحض ارادتهما. وكانت هذه المدينة قد تخربت على أيدي النصارى بعد سقوطها. وقاما فعلا بتحصين القلعة بسور متين مع تجهيزه بمدفعية ضخمة كما رأينا ذلك في عام ١٥١٨ م. واستنادا الى ما سمعته منذ وقت قريب ، فإن الأمير راح يعمرها بالسكان بإذن من القيصر شارلكان (١٩٢).
__________________
(١٩١) على اثر موت سلطان تونس عثمان في ايلول (سبتمبر) ١٤٨٨ م تقلد السلطة خلفه الذي اوصى به ، وهو حفيده ابو زكريا يحيى ، حاكم قسنطينة. ولما حاول احد أبناء عثمان وهو ابو بكر ، الذي كان يحكم حينذاك طرابلس ، حاول ان يثير أحقيته بالملك ، قتله ابن اخيه. وقد قتل السلطان يحيى في معركة شنها عليه ابن عمه عبد المؤمن في حزيران (يونيه) ١٤٨٩ م ، ونودي بهذا الاخير سلطانا ثم طرد من تونس في ١٣ تشرين الأول (اكتوبر) ١٤٩٠ م وهرب ثم مات في السجن بلا ريب. وبعد أن أستولى أبو يحيى ، وهو أبو يحيى زكريا ، على تونس ، تقلد منصب ملك. ومات من الطاعون في ١٥ ايار (مايو) ١٤٩٤ م. وقد خلفه ابن عمه ابو عبد الله محمد ابن الحسن وحكم حتى ٩ شباط (فبراير) ١٥٢٦ م.
(١٩٢) بعد ان احتل الكونت بيير نافارو بجاية في ٥ كانون الثاني (يناير) ١٥١٩ م راح يحارب في اثناء عدة اشهر حول المدينة الى ان ظهر الطاعون. فقرر حينئذ حملة على طرابلس ، وقاد خمسة عشر ألف رجل وقصد صقلية طلبا للمؤونة ـ