وبينما كان ملك فاس يقود ملك تونس الى الأسر ، تعرضت طرابلس لهجوم أسطول مؤلف من عشرين سفينة جنوية ، استطاعت بعد معركة طاحنة ان تجتاح المدينة وأن تنهبها وأخذوا كل سكانها أسرى. وفي الحال كتب هلال بن ميمون ، الذي كان حينذاك نائب الملك أبي عنان في تونس يخبره بما حدث وأنه تفاهم مع الجنويين على أن يدفع لهم خمسين ألف دينار. وبعد أن تمّ دفع المبلغ أخلى الجنويون المدينة وأطلقوا سراح السجناء ، ولكنهم وجدوا بعد رحيلهم أن نصف الدنانير كانت مزوّرة (١٨٩).
وبعد ذلك أطلق أبو سليم ، ملك فاس ، سراح ملك تونس ، بسبب صلة قرابة كانت بينهما ، واسترد السلطة (١٩٠).
وهكذا عادت طرابلس أيضا تحت سلطة ملك تونس. واستمر هذا حتى زمن الأمير ابي بكر ، إبن ملك تونس عثمان. وقد قتل أبو بكر في قلعة طرابلس مع أحد أبنائه بأمر من يحيى ، ابن أخ لهذا الأمير. وقد قتل هذا ، أي يحيى ، بعدئذ في اثناء معركة مع ابن عمه عبد المؤمن الذي انتزع منه المملكة واحتفظ بها حتى موته. وخلفه
__________________
ـ شهرآب (اغسطس) ١٣٥٧ م فقط تمكن السلطان المريني ابو عنان من احتلال قسنطينة. ولما استسلم ابو العباس سجن في سبتة. وبعد ذلك بقليل اسطاعت القوات البرية والأسطول أن تحتل تونس بينما التجأ السلطان ابو اسحق الى العرب.
ولكنه عاد الى تونس في نهاية عام ١٣٥٧ م. ولما سئم السلطان ابو عنان من ضروب المقاومة التي لاقاها في كل معاركه والتي ثبطت همة قواته التي تشتتت ، قرر العودة الى فاس
(١٨٩) بتاريخ الثاني من نيسان (ابريل) ١٣٥٥ م باغت القائد الجنوي فيليب دوريا طرابلس على رأس خمس عشرة سفينة حربية فاحتل المدينة على حين غرة وكان يحكمها حينئذ أمير صغير محلي. وقد غادر المدينة في ٢٢ أب (اغسطس) ١٣٥٥ واقتاد معه سبع آلاف أسير وغنائم ضخمة ، بعد أن قبض تعويضا حربيا بالغا ، ساهم فيه سلطان فاس المريني الذي لم يكن يحكم بلاد تونس في تلك الفترة ـ بمبلغ خمسين ألف دينار ذهب نقدا. ويقول لنا ابن جزى ، منشىء «رحلة ابن بطوطة» ـ وقد كتب ذلك بعد ثلاثة اشهر من وقوع هذه الاحداث ـ يقول أن أبا عنان أعطى الأمر لخدامه ، اي عمالّه ، في مدن افريقيا ، ان يقوموا بافتداء طرابلس ، قائلا : «الحمد لله الذي انقذ طرابلس من ايدي الكفار مقابل هذا المبلغ الزهيد» ، بعد ان علم بنتيجة هذه المفاوضات ، وقد أرسل مبلغ الخمسين الف دينار ، أو ما يعادل خمسة قناطير ، أو ٥٠٠ رطل مريني من القطع الذهبية ، الى افريقية. ويمتدح ابن جزي اريحية السلطان العظيمة وفضله ، ولكن يغفل الكلام عن حيلة القطع النقدية المزيفة.
(١٩٠) بينما كان السلطان ابو عنان في النزع الاخير اجهز عليه وزيره الأول بتاريخ ٣ كانون الاول (ديسمبر) ١٣٥٨ م.
وفي تموز (يولية) ١٣٥٩ تمكّن اخوه اخو سليم ابراهيم من الحصول على مبايعته ملكا في فاس. وفي آب (اغسطس) ١٣٦٠ اطلق سراح الملك الحفصي أبي العباس احمد ، المعتقل في سبتة ، واسترد هذا حكمه المستقل في قسنطينة. أمّا سلطان تونس ، أبو اسحق ابراهيم ، فقد توفي فجأة في ١٩ شباط (فبراير) ١٤٦٩ م وقام ابن اخيه ابو العباس احمد باحتلال تونس بتاريخ ٩ تشرين الثاني (يناير) ١٣٧٠ وظل حاكم المملكة الأوحد.