ذلك في اتجاه الشمال ، ولكن أثر البحر التقويضي جعل المدينة تتقهقر دائما نحو الجنوب ، وحتى في الوقت الحاضر تظهر بيوت وابنية محتجبة تحت الماء. وقد كان في هذه المدينة قديما جوامع كثيرة وعدة مدارس ومستشفيات لسكنى الفقراء والغرباء. ويستعمل السكان لحما (١٨٥) رديئا جدا ، مصنوعا من بازين الشعير ، لأن الأقوات التي تجلب الى المدينة لا تكفي مطلقا لمعيشة يوم واحد فقط ، ويعتبر الفلاح غنيا إذا استطاع أن يدخر صاعا من الحب او اثنين لمؤونته. غير انهم ينصرفون كثيرا للتجارة لأن المدينة قريبة من نوميديا ومن تونس ، دون أن يمنع ذلك من ذهابهم بعيدا حتى الاسكندرية. كما أن طرابلس قريبة ايضا من مالطة ومن صقلية. وكان من عادة سفن البنادقة في الماضي ان ترسو فيها وتقوم بتجارة كبيرة مع تجارها ومع الذين يقصدونها كل سنة بسبب وجود هذه المراكب.
وقد كانت هذه المدينة دوما تحت وصاية ملك تونس ، فيما عدا الفترة التي جاء فيها أبو الحسن ملك فاس وضرب معسكره بجوار تونس ، فاضطر الملك للإلتجاء الى صحارى العرب التماسا للسلامة.
ولكن ملك تونس (١٨٦) استرد سلطته بعد أن ألحق الهزيمة بأبي الحسن وقضى على جيشه ، وثارت تونس في هذه الفترة واستمرت الثورة خمسة اعوام إلى أن قام ملك فاس ابو عنان بحملة على مملكة تونس (١٨٧) ونهض ملك تونس الذي كان يدعى ابا العباس لملاقاته واشتبك الجيشان فانكسر ملك تونس الذي اضطر الى الالتجاء الى قسنطينة. وتقدم ملك فاس وضرب معسكره أمام هذه المدينة وهاجمها بعنف جعل السكان يعجزون عن المقاومة وفتحوا الأبواب. وألقي القبض على ملك تونس وأقتيد أسيرا إلى فاس ، ثم اعتقل في قلعة سبتة (١٨٨).
__________________
(١٨٥) وربما المقصود غذاء.
(١٨٦) في نيسان (ابريل) ١٣٤٨ م استطاع العرب المتمردون القضاء على الجيش المريني قرب القيروان. واستطاع السلطان أبو الحسن ان يتماسك أيضا في تونس في وضع وقتي حتى كانون الاول (ديسمبر) ١٣٤٩ م ، وبعدئذ اضطر للهرب الى المغرب حيث حارب بلا طائل ضد ولده أبي عنان فارس الذي وثب على السلطة وذلك في الوقت الذي كانت المملكة الحفصية هدف منافسات مضطربة.
(١٨٧) في عام ١٣٥٢ م على التحديد ابتدأ أبو عنان حملة / ضد / المملكة الحفصية التي كانت في هذه الاثناء منقسمة بين ثلاثة ملوك ؛ احدهم في بجاية ، والثاني في قسنطينة ، والثالث في تونس.
(١٨٨) كان ابو العباس احمد في الحقيقة سلطان قسنطينة ، في حين ان سلطان تونس كان عمه ابو اسحق ابراهيم. ـ