__________________
ـ للقوات النظامية. وهكذا أسست قبيلة مكناسة الصفرية الجنوبية مدينة سجلماسة عام ١٤٠ ه ، وعهد بإمارتها لأسرة تدعى بنو مدرار. وقد احتفظت هذه الأسرة بالسلطة حتى عام ٣٦٦ ه / ٩٧٦ ـ ٩٧٧ م. وكان لإمارة سجلماسة حظ خارق : فقد حظر سلطان مصر أحمد بن طولون على القوافل وعلى الجماعات المنعزلة سلوك الطرق التي كانت تذهب من واحة الخارجة في جنوب مصر قاصدة المغرب أو السودان المغربي نظرا لكثرة الحوادث التي وقعت بسبب طول الطريق الصحراوي وانعدام الأمن على هذا الطريق. وحينئذ راح التجار القادمون من الكوفة والبصرة وبغداد ومن مدن المشرق الأخرى للمتاجرة في السوداني الغربي ، راحوا يسلكون هم وعائلاتهم ، طريق قوافل يؤدي إلى سجلماسة مرورا ببلاد البربر. وقد أشار المؤلفون القدامى في القرن العاشر الميلادى إلى اتساع سجلماسة العجيب وتشابه أبنيتها مع عمارات المشرق. وكانت دهشة المؤرخين كبيرة لوجود الشبه بين قصبات جبال الأطلس والعمائر المذكورة ، وللصلات الوثيقة بينهما في الفن الموسيقي وفي كثير من التفاصيل ، ومن المستغرب ألا نجد أي مؤرخ لم يذكر حتى ذلك الوقت أن إمارة سجلماسة كانت متأثرة كل التأثر بحضارة المشرق والأندلس. وبلغ ازدهار البلاد حدا جعل عمالة سجلماسة تقدم للخزينة الفاطمية فى القيروان عام ٩٥١ م ، مبلغ ٤٠٠٠٠٠ دينار من الضرائب سنويا تجبى في ثلاث فترات ، مدة كل فترة منها خمسة أيام ، أو ما يعادل ما كانت تقدمه بلاد البربر كلها لهذه الخزينة أو بيت المال. ويبدو أن الإمارة المدرارية ظلت مستقلة حتى عام ٩٠٩ م ، أي حوالي الوقت الذى جاء فيه المدعي الفاطمي أبو عبد الله لإنقاذ المهدى عبيد الله الذى كان معتقلا فيها. وألحق هذه الإمارة بالإمبراطورية. وفى أواسط القرن العاشر ترك الأمير الحاكم العقيدة الصفرية واعتنق المذهب السني المالكي. ولكن في ذلك الوقت كان خلفاء بني أمية في قرطبة يتنازعون مع الفاطميين في المغرب ، كما كان أمراء البربر ينحازون تارة لقرطبة وتارة أخرى إلى القيروان.
وانتهى الأمر بحكم المدراريين إلى الزوال في سنة ٩٧٦ م. وانتقلت السلطة من مكناسة إلى زناتة مغراوة. ولكن هذا التبدل في الأسرة الحاكمة لم يحل دون ازدهار الإمارة. ففي اواسط القرن الحادي عشر كانت تضم إليها أودية الزيز والدرعة والملوية الأعلى وتجاوزت الأطلس لتشمل صفرو. وكانت آخر نقطة في الإمارة غربا ، قلعة المهدي بن تواله ، في منطقة فزاز. وقد كانت لقمة شهية بالنسبة للمرابطين الصحراويين القادمين من موريتانيا الحالية. وفي عام ٤٤٥ ه / ١٠٥٣ ـ ١٠٥٤ م ، قاموا بغزوة على قطيع من الإبل يبلغ تعداده خمسين ألف رأس أرسلها أمير سجلماسة لترعى في مراعي وادي الدرعة. وكان هذا الأمير ، وهو مسعود بن وانودين ، يرغب في استخلاص إبله وطرد الصحراويين. ولكنه انكسر وقتل في المعركة واحتل المرابطون سجلماسة. ولم يظهر يوسف بن تاشفين على مسرح التاريخ إلا في نهاية أيار (مايو) ١٠٥٦ م ، بوصفه قائدا تحت زعامة ابن عمه أبي بكر عمر ، أمير لمنونة وزعيم المرابطين الحربي. وظل كذلك حتى موت ابن عمه ، الذي قتل في تاغنت في موريتانيا الحالية ، في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٠٨٧ م ، ولكن في ١٠٦١ كان أبو بكر قد ترك سجلماسة باتجاه الصحراء الكبرى وترك يوسف بن تاشفين في هذه المدينة مع نصف الجيش المرابطي ، أي مع أربعين ألف رجل ، وقيادة البلاد المفتوحة. ويبدو أن الفتح المرابطي أدى ، عن طريق إبادة مدينة أوداغست ، وخراب مملكة غانا ، إلى القضاء على ازدهار إقليم سجلماسة الفريد ، التي أصبح تاريخها بعدئذ تاريخ ولاية عادية. ويبدو أنها انحازت إلى المرابطين في عام ١١٤٥ م في الوقت الذي كان فيه عبد المؤمن يحاصر تلمسان ، بعد موت الخليفة الموحدي تاشفين بصورة مأساوية في وهران. وقد استولى عليها الأمير المريني أبو يحيى عام ١٢٥٧ م ، ولا توجد أية وثيقة أخرى معروفة تؤيد الخبر الذي يعطيه المؤلف هنا عن تاريخ خراب سجلماسة بعد موت السلطان المريني أبي عباس أحمد المستنصر ، الذي وقع في تازة بتاريخ ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٣٩٣ م.