قفصة (١١٢) ، حتى وصل اليها. وقد فوجىء الأمير الذي كان في القلعة بذلك فهاجمه المنصور دون توان. وكان الدفاع سهلا لأن اسوار المدينة كانت تكفي لصد هجوم افريقيا برمتها. ولكن الامير البائس لم يكن لديه ما يكفي من أقوات في القلعة. فحاول في أحد الأيام القيام بخروج مسلّح مع أولاده وأهله وحاربوا جميعا إلى ان تقطعت أجسادهم. وحينئذ قام المنصور بهدم واجهة القلعة (١١٣) ، وعينّ المنصور حكاما وموظفين في الاقليم وقفل عائدا الى الغرب ، واقتاد معه زعماء العرب الذين كانوا سبب تمرد البلاد (١١٤).
واليوم عادت قفصة فأمتلأت بالسكان ، ولكن مساكنها متواضعة ، باستثناء بعض المساجد. وشوارعها عريضة جدا ، وكلها مبلطة بالحجارة السوداء كشوارع نابولي وفلورنسة. والسكان مهذبون ولكنهم فقراء لأنهم ينوءون تحت وطأة ضرائب ملك تونس. ويوجد في قلب المدينة ينابيع منظمة مع أحواض مستطيلة عميقة وعريضة. وتحاط هذه العيون بالجدر ، وتوجد بين الجدران والأحواض فرجة يستطيع
__________________
(١١٢) لقد وقع المؤلف هنا في التباس. فقد شنت أول حملة على قفصة في عام ١١٨٠ م ، إذ ذهب اليها ابن يعقوب يوسف لأنتزاع المدينة من الأمير الصنهاجي الذي اصبح سيدا عليها. وكان ابن هذا الخليفة وخلفه ، ابو يوسف يعقوب المنصور ، الذي نودي به في ٣٠ تموز (يولية) ١١٨٤ هو الذي تأثر من الاضطرابات التي أثارها ابن غانية في هذا الجزء من امبراطوريته ، وكان هو الذي انطلق من مراكش مع قواته في ١٧ كانون الاول (ديسمبر) ١١٨٦ ، وذهب على مهل حتى إنه لم يدرك على بن غاينة وقرقوش الا في تشرين الاول (اكتوبر) ١١٨٧ م في منطقة قابس. وفي ١٤ تشرين الأول (اكتوبر) ١١٨٧ م قرب الحامة هزمهم هزيمة منكرة اضطروا على اثرها ان يهربوا الى الصحراء وتبعثرت عصاباتهم من العرب ومن الغز.
(١١٣) بعد هرب علي بن غانية وقرقوش الى الصحراء وتشتت قواتهما ، احتل يعقوب المنصور فورا قابس ومدن الجريد. ولكن قفصة التي ثبتت بعزم بقيادة القائد الأعلى لقراقوش ، وهو الملوك ابراهيم بن قرة تيكين مع جنوده الاتراك ، تعرضت للحصار ودافعت بعض الوقت. ولكنها سقطت في شهر كانون الثاني (يناير) ، فقتل ابراهيم وذبح حلفاؤه العرب ، ولكن عفى عن الغز وكذلك عن سكان قفصة ، الذين استسلموا ، وبعد ذلك فرض الخليفة على عرب البلاد عقابا قاسيا.
(١١٤) في شهر ايار (مايو) ١١٨٨ م استأنف الخليفة يعقوب المنصور الطريق المباشر من المهدية الى تلمسان مرورا بالهضاب العليا وعاد الى مراكش في ايلول (سبتمبر) ، وأجلى معه بعض قبائل من جشم ورياح وعاصم الذين كان لهم اكبر نصيب في التمرد. ومما لا ريب فيه أنه اراد ان يكونوا تحت يده كي يضبطهم بصورة افضل وكي يجد فيهم بعض حاجته من القوات في حروب اسبانيا. وقبيل وفاته في كانون الثاني (يناير) ١١٩٩ م اعترف بأنه ارتكب بذلك غلطة خطيرة ، مع انه من الممكن حينئذ توقع النتائج الطويلة لعمله هذا.